للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك إذا سئل عن رجل حلف لا يفعل كذا وكذا، ففعله، لم يجز له أن يفتي بحنثه، حتى يستفصله، هل كان ثابت العقل وقت فعله؟ وإذا كان ثابت العقل فهل كان مختارًا في يمينه أم لا؟ وإذا كان مختارًا فهل استثنى عقيب يمينه أم لا؟ وإذا لم يستثن فهل فعل المحلوف عليه عالمًا ذاكرًا مختارًا أم كان ناسيًا أو جاهلًا أو مكرهًا؟ وإذا كان عالمًا مختارًا فهل كان المحلوف عليه داخلًا في قصده ونيته أو قصد عدم دخوله فخصَّصه بنيّته أو لم يقصد دخوله ولا نوى تخصيصه؟ فإنّ الحنث يختلف باختلاف ذلك كلّه" (١).

ويكتمل المنهج التفصيلي عند ابن القيم بذكر الفروق بين مسألة وأخرى، يظن بادئ بدء تطابقهما في الحكم، فينبه على الفرق بينهما رفعًا للإبهام، وإزالة اللبس، وزيادة في الإيضاح. والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا، تجدها مجموعة في (فهرسة) خاصة، في (المجلد الأخير) الخاص بالفهارس على حسب ورودها في الكتاب، واللَّه الموفق للصواب.

ومما ينبغي ذكره بهذا الصدد أن المسائل التي فصل ابن القيم فيها القول هي التي كانت دائرة آنذاك على ألسنة الفقهاء وتشغل مجالسهم، وهي صور حقيقية لما يجري في مجتمعاتهم، وهي شهادة صدق على كون ابن القيم مصلحًا، وهي عبارة عن نماذج واقعية للحياة التي عاشوها، ولذا تجد في كتابنا هذا توجعًا وتألمًا، وشذرات لأحوال المفتين، وذكرًا لبعض الحوادث التي ذكرت عرضًا، وبها تعلّق لبعض الأحداث التي كانت تجري آنذاك (٢).

تاسعًا: ترتب على ما سبق من سمات منهجية في عرض ابن القيم لمادته العلمية في كتابه هذا من (التأصيل) و (التحليل) و (التفصيل) و (الاستيعاب) وجود مباحث عزيزة لا تكاد توجد على النحو الذي توجد في كتابنا هذا، وقد صرح المصنف بذلك أكثر من مرة، فقال -مثلًا- عن تقرير (القياس) والاحتجاج به: "لعلك لا تجده في غير هذا الكتاب، ولا بقريب منه" (٣)، وقال أيضًا:

"وقد أطلنا الكلام في القياس والتقليد، وذكرنا من مآخذهما وحجج أصحابهما، وما لهم وما عليهم من المنقول والمعقول ما لا يجده الناظر في كتاب


(١) "إعلام الموقعين" (٥/ ٩٢)، وانظر مثالًا آخر فيه (٥/ ٩٢).
(٢) انظر -على سبيل المثال-: (١/ ٣٠٧ و ٣/ ٤٢٨ و ٤/ ٥٦ و ٥/ ٦٥، ٧٦، ٨١، ٨٢).
(٣) "إعلام الموقعين" (١/ ٤٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>