عليه، وقبل قوله أنها واحدة مع مخالفة الظاهر (١) اعتمادًا على قصده ونيته، فلولا اعتبار القُصُود في العقود لما نَفَعه قصدُه الذي يُخالف ظاهر لفظه مخالفة ظاهرةً بينة؛ فهذا الحديث أصل لهذه القاعدة، وقد قبل منه في الحكم، ودَيَّنه فيما بينه وبين اللَّه، فلم يَقْضِ عليه بما أظهر من لفظه لما أخبره بأن نيته وقصده كان خلاف ذلك.
[الردّ على من زعم إبطال استعمال الدلالة في حكم الدنيا]
وأما قوله (٢): "إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أبطل في حكم الدنيا استعمالَ الدلالة التي لا يُوجدُ أقوى منها" يعني دلالة الشَّبَه (٣) فإنما أبطلها بدلالة أقوى منها وهي اللعان، كما أبطلها مع قيام دلالة الفراش، واعتبرها حيث لم يعارضها مثلُها ولا أقوى منها في إلحاق الولد بالقَافَةِ وهي دلالة الشبه، فأين في هذا إلغاء الدلالات والقرائن مطلقًا؟
[[أحكام الدنيا تجري على الأسباب]]
وأما قوله (٤): "إنه لم يحكم في المنافقين بحكم الكفر مع الدلالة التي لا أقوى منه، وهي خبر اللَّه تعالى عنهم وشهادته عليهم".
فجوابه: أن اللَّه تعالى لم يُجرِ أحكام الدنيا على علمه في عباده، وإنما أجراها على الأسباب التي نصبها أدلةً عليها وإن علم سبحانه وتعالى أنهم مُبطلون فيها مُظهرون لخلاف ما يبطنون، وإذا أطلَعَ اللَّه رسولَه على ذلك لم يكن ذلك مناقضًا لحكمه الذي شَرَعه ورتبه على تلك الأسباب كما رتَّبَ على المتكلِّم بالشهادتين حُكمَه وأطلع رسوله وعباده المؤمنين على أحوال كثير من المنافقين وأنهم لم يطابق قولهم اعتمادهم، وهذا كما أجرى حكمه على المتلاعنين [ظاهرًا] (٥) ثم أطلع رسوله والمؤمنين على حال المرأة بشبه الولد لمن رُميت به، وكما قال: "إنما أقضي بنحو ما (٦) أسمع، فمن قضيتُ له بشيء من حَقِّ أخيه
(١) في المطبوع: "الظواهر".
(٢) أي قول الإمام الشافعي -رحمه اللَّه- الذي أورده ابن القيم -رحمه اللَّه- قبل.
(٣) في (ك): "البينة".
(٤) أي قول الإمام الشافعي -رحمه اللَّه- الذي أورده ابن القيم -رحمه اللَّه- قبل.
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٦) في (ك) و (ق): "مما".