للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سابعًا: ومن الخصائص والسمات والملامح لمنهج ابن القيم في كتابه هذا: تآخي الأصول مع الفقه، وتوافق التطبيق مع النظرية في انسجام وتكامل، يتجلى هذا تمامًا عند ذكره الأدلة. وتحليلها تحليلًا كافيًا، وإعطاء كل دليل حقه من الفهم والمعنى، فيستعين أخيرًا في استنباط الحكم الشرعي بالقواعد الأصولية ذات العلاقة، بحيث تتبيّن أهمية القاعدة الأصولية لاستنباط الحكم، فيمتزج الفقه بالأصول في منهج اجتهادي واضح الخطوات، بيِّن المعالم، يتضح فيه للباحث الفقيه كيفية بناء الحكم على ذلك الأصل، أو القاعدة الأصولية.

هذا هو المنهج العلمي المثالي، إذ يمنح القارئ الثقة في الأحكام المستنبطة، كما ينمي لديه ملكة الاستنباط، حيث يقف بصورة عملية على الطريقة التي سلكها الأئمة المجتهدون في استنباط الأحكام، نظريًا وتطبيقًا (١). وأقام الإمام ابن القيم في (معلمته) هذه جسورًا قوية متماسكة بين (الأصول) و (الفقه)، وأثبت بما لا جدال فيه أنهما علمان متلازمان حسًا وذهنًا في كل مرحلة من مراحل الاستنباط، وتطبيق الأحكام، في التأليف والتدوين، لا تستقل مدونات الأصول عن الفروع، ولا تستغني الفروع عن الأصول، وهو جانب مهم وواضح في منهج ابن القيم في كتابه هذا، الذي يعتبر بأنه عقد منتظم من النظريات، والقواعد الأصولية، تدعمها الفروع الفقهية: تخريجًا واستشهادًا وتطبيقًا، وجاءت هذه التطبيقات بلا استكثار ولا تقصير، وجاءت دراساته فيها من كافة جوانبها: التنظير والتطبيق، والشرح والتحليل متوازية متعادلة (٢).

ثامنًا: وأما التفصيل في المسائل، فهذه سمة بارزة (٣) في كتابنا هذا، إذ حوى كثيرًا من المسائل وفصَّلها، ودقَّق فيها، فلا يطلق ابن القيم الأحكام جزافًا،


(١) بتصرف من "منهجية الإمام الشافعي في الفقه وأصوله" (ص ٤٩ - ٥٠)، و"منهج البحث في الفقه الإسلامي" (ص ٤٠ - ٤١).
(٢) بتصرف من المرجع السابق (ص ١٢٣).
(٣) تنبه لها جمع من العلماء، ونصصوا على أن ابن القيم إذا تطرق لمسالة فإنه يبثنها بما لا مزيد عليه، انظر -على سبيل المثال-: "شرح الكوكب المنير" (٤/ ٢٢٥)، و"التحبير في شرح التحرير" (٧/ ٣٥٣٩)، و"ظفر اللاظي" (ص ٧٦ - ٧٧)، و"إكليل الكرامة" (ص ٨٠ - ٨١)، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" (٣٩٢)، و"المدخل الفقهي العام" (١/ ٧٤ - ٧٥)، و"التشريع والفقه الإسلامي تاريخًا ومنهجًا" (ص ١٢٦) لمناع القطان، و"نظم الحكم والإدارة" (ص ٢٩٣) لعلي منصور.

<<  <  ج: ص:  >  >>