للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استوفاه حَصَل به المقصودُ من ذلك الدين المطلق.

[فصل [القرض على وفق القياس]]

وأما القرض فمن قال: "إنه على خلاف القياس" (١) فشُبْهته أنه بيع رِبَوي بجنسه مع تأخر القبض، وهذا غلط (٢)، فإن القرض من جنِس التبرع بالمنافع كالعارية، ولهذا سَمَّاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-[مَنِيحَةً] (٣) فقال: "أو مَنيحة ذهب أو منيحةَ وَرِقٍ" (٤) وهذا من باب الإرفاق، لا من باب المعاوضات، فإن باب المعاوضات يُعطي كلٌّ منهما أصلَ المال على وجه لا يعود إليه، وباب القرض من جنس باب العارية والمنيحة وإفقار الظهر مما يُعطي فيه أصل المال لينتفعَ بما يستخلف منه ثم يُعيده إليه بعينه إن أمكن وإلا فنظيره ومثله (٥)، فتارةً ينتفع بالمنافع كما في عارية العَقَار وتارة يمنحه ماشيةً ليشرب لبنها ثم يعيدها أو شجرة (٦) ليأكل ثمرها ثم يعيدها، وتُسمَّي العريه، فإنهم يقولون: أعراه الشجرة (٧)، وأعاره المتاع، ومَنَحه الشاة، وأفقره الظهر، وأقرضه الدراهم، واللبن والثمر لمَّا كان يستخلف شيئًا بعد شيء كان بمنزلة المنافع، ولهذا كان في الوقف يجري مجرى المنافع، وليس هذا من باب البيع في شيء بل هو من باب الإرفاق والتبرع والصدقة، وإن كان المُقْرضُ قد ينتفع أيضًا بالقَرْض كما في مسألة السفتجة (٨)، [ولهذا كرهها من كرهها] (٩)، والصحيح أنها لا تكره؛ لأن المنفعة لا تخص المقرض، بل ينتفعان بها جميعًا (١٠).


(١) قاله الكاساني في "بدائع الصنائع" (٧/ ٣٩٦) وقارن بـ"الفروق" (٤/ ٢).
(٢) انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (٢٠/ ٥١٤).
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٤) أخرج أحمد (٤/ ٢٧٢) عن النعمان بن بشير رفعه: "من منح منيحة وَرِقٍ أو ذهبٍ، أو سقى لبنًا، أو أهدى زُقاقًا، فهو كعدل رقبة"، وإسناده حسن.
وفي الباب عن البراء بن عازب، عند أحمد (٤/ ٢٨٥، ٢٨٦ - ٢٨٧، ٢٩٦، ٣٠٠، ٣٠٤)، والترمذي (١٥٩٧): أبواب البر والصلة: باب ما جاء في المنحة، والخطابي في "غريب الحديث" (١/ ٧٢٨)، وابن حبان (٥٠٩٦)، والبغوي (١٦٦٣) وإسناده جيد.
(٥) في (ق) و (ك): "أو مثله".
(٦) في (ن): "أو شجرًا".
(٧) في (ق): "الشجر".
(٨) "أن يعطي مالًا لآخر، وللآخر مال في بلد المعطي، فيوفيه إياه ثَمَّ، فيستفيد أمن الطريق" (و).
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(١٠) انظر: "تهذيب السنن" (٥/ ١٥٢ - ١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>