للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُحيلُ المحتالَ بدينه بدين آخر (١) في ذمة ثالث (٢)، فإذا عاوضَهُ من دَيْنه على دين آخر في ذمته كان أولى بالجواز وباللَّه التوفيق.

رجعنا إلى كلام شيخ الإسلام، قال (٣): الوجه الثاني -يعني مما يبين أن الحوالة على وفق القياس- أنَّ الحوالة من جنس إيفاء الحق، لا من جنس البيع، فإن صاحب الحق إذا استوفى من المَدينِ (٤) مالَه كان هذا استيفاء، فإذا أحاله على غيره كان قد استوفى ذلك الدَّيْن عن الدين الذي في ذمةِ المُحيل؛ ولهذا ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الحوالة في معرض الوفاء، فقال في الحديث الصحيح: "مَطْلُ الغني ظلم، وإذا أُتْبعَ أحدكم على مليء فَلْيَتَّبع" (٥) فأمر المَدِينَ بالوفاء، ونهاه عن المطل، وبين أنه ظالم إذا مطل، وأمر الغريم بقبول الوفاء إذا أحيل على مليء، وهذا كقوله [تعالى] (٦): {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨] أمر المستحق أن يطالب بالمعروف، وأمر المؤدي (٧) أنْ يؤدّي بإحسان، ووفاءُ الدين ليس هو البيع الخاص وإن كان فيه شَوْب (٨) المعاوضة، وقد ظنَّ بعضُ الفقهاء أن الوفاء إنما يحصل باستيفاءِ المَدين بسبب [أن] (٩) الغريم إذا قبض الوفاء صار في ذمة المدين مثله (١٠)، ثم إنه يقاصُّ ما عليه بماله، وهذا تكلُّفٌ أنكره جمهور الفقهاء، وقالوا: بل نفس المال الذي قَبضهُ يحصلُ به الوفاء، ولا حاجَة أن يُقدِّر في ذمة المستوفي دَيْنًا، وأولئك قَصَدُوا أن يكون وفاء دين بدين مطلق، وهذا لا حاجة إليه، فإن الدَّينَ من جنس المطلق الكلي والمعيَّن من جنس المعين، فمن ثبت في ذمته دين مطلق كلي فالمقصود منه هو الأعيان الموجودة، وأي مُعين


(١) في المطبوع: "من دينه بدين آخر".
(٢) في (ق) و (ك): "في ذمته ثابت".
(٣) من هنا يستأنف ابن القيم كلام شيخه -رحمهما اللَّه تعالى- فتابِعْه في "مجموع الفتاوى" (٢٠/ ٥١٢ - فما بعدها)، وللشيخ صالح السلطان بحث مطبوع في (بيع الدين) (مهم).
(٤) في (ق): "الدين".
(٥) أخرجه البخاري (٢٢٨٧) (كتاب الحوالات): باب في الحوالة، وهل يرجع في الحوالة، و (٢٢٨٨) باب إذا أحال على مليء فليس له رد، ومسلم (١٥٦٤) (كتاب المساقاة): باب تحريم مطل الغني، من حديث أبي هريرة.
"أي إذا أحيل على قادر، فليحتل، قال الخطابي: أصحاب الحديث يروونه: أتبع -بتشديد التاء- وصوابه بسكون التاء بوزن أكرم" (و).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٧) في المطبوع: "المدين".
(٨) في (ك): "ثبوت".
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(١٠) في (ق): "في ذمته للمدين مثله".

<<  <  ج: ص:  >  >>