للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمامه يشتدّ عدوًا وفي يده عمامة وعلى رأسه أخرى؛ فإنّا ندفع العمامة التي بيده إلى حاسر الرأس ونقبل قوله، ولا نقول لصاحب اليد: القولُ قولُك مع يمينك، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو يُعطى الناس بدعواهم" (١)، لا يعارض القسامة بوجه؛ فإنه إنما نفى الإعطاء بدعوى مجرَّدة، وقوله: "ولكن اليمين ضلى المُدَّعى عليه" (١) وهو في مثل هذه الصورة حيث لا تكون مع المدعى إلّا مجرد الدعوى، وقد دلّ القرآن على رجم المرأة بلعان الزوج إذا نكَلَتْ، وليس ذلك إقامة للحد بمجرد أيمان الزوج بل بها وبنكولها، وهكذا في القسامة إنما يُقتل (٢) فيها باللَّوث الظاهر والأيمان المتعدّدة المغلَّظة، وهاتان بيِّنتا هذين الموضعين، والبيّنات تختلف بحسب حال (٣) المشهود به كما تقدَّم، بأربعة شهود، وثلاثة بالنَّص (٤) وإن خَالَفه من خَالَفه في بيّنة الإعسار، واثنان، وواحد ويمين، ورجل وامرأتان، ورجل واحد وامرأة واحدة، وأربعة أَيْمان، وخمسون يمينًا، ونكول وشهادة الحال، ووصف المالك اللقطة، وقيام القرائن، والشَّبَه الذي يخبر به القَائِف، ومعاقد القُمُط، ووجوه الآجر في الحائط، وكونه معقودًا ببناء أحدهما عند من يقول بذلك (٥)؛ فالقسامة مع اللوث [من] (٦) أقوى البيّنات.

[[رد السنة في النهي عن بيع الرطب]]

المثال الثالث والعشرون: رد السنة الثابتة المحكمة في النهي عن بيع الرُّطب بالتمر (٧) بالمتشابه من قوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥]، وبالمتشابه من قياس في غاية الفساد، وهو قولهم: الرطب والتمر إما أن يكونا جنسين وإما أن يكونا جنسًا واحدًا، وعلى التقديرين فلا يُمنع بيع أحدهما بالآخر، وأنت إذا نظرت إلى هذا القياس رأيته مصادمًا للسنة أعظم مصادمة، ومع أنه فاسد في نفسه، بل هما جنس واحد أحدهما أزيد من الآخر قطعًا بليِنَته فهو أزيدُ أجزاء من الآخر بزيادة


(١) مضى تخريجه قريبًا.
(٢) في المطبوع: "يقبل"!.
(٣) في (ن) و (ك) و (ق): "أحوال".
(٤) يشير إلى ما أخرجه مسلم (١٠٤٤) من حديث قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحمَّلتُ حَمَالة فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . وفيه: "يا قبيصة! إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة. . . ورجل أصابته فاقة، حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه. . . ".
(٥) انظر: "الطرق الحكمية" (٢٤ - ط دار الكتب العلمية)، و"بدائع الفوائد" (٣/ ١١٧، ١٥٢)، و"كتاب الحدود والتعزيرات" (ص ٧٠ - ٧١).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٧) مضى تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>