للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن لا يُعطى أحد بدعواه المجرّدة، وكلا الأمرين حق من عند اللَّه، لا اختلافَ فيه (١)، ولم يُعط في القسامة بمجرد الدعوى، وكيف يليق بمن بهرت حكمةُ شَرْعه (٢) العقول أن لا يعطي المدَّعي بمجرد دعواه عودًا من أراك ثم يعطيه بدعوى مجرّدة دم أخيه المسلم؟ وإنما أعطاه ذلك بالدليل الظاهر الذي يغلب على الظن صدقُه فوق تغليب الشاهدين، وهو اللَّوث والعداوة والقرينة الظاهرة من وجود العدو مقتولًا في بيت عدوّه، فقوَّى الشارع الحكيم هذا السبب باستحلاف خمسين من أولياء القتيل الذين يَبْعُد أو يستحيل اتفاقهم كلهم على رمي البريء بدم ليس منه بسبيل ولا يكون فيهم رجل رشيد يراقب اللَّه؟ ولو عرض على جميع العقلاء هذا الحكم، [والحكم] (٣) بتحليف العدوّ الذي وجد القتيل في داره (٤) بأنه ما قتله لرأوا أن ما بينهما من العدل كما بين السماء والأرض! ولو سئل كُلُّ سليمِ الحاسة عن قاتل هذا لقَالَ مَنْ وُجد في داره، والذي يقضى (٥) منه العجب أن يُرى قتيل يتشحَّط في دمه وعدوُّه هارب بسكين ملطخة بالدم ويُقال: القول قوله؛ فيستحلفه (٦) باللَّه ما قتله ويخلّي سبيله، ويقدم ذلك على أحسن الأحكام وأعدلها وألصقها بالعقول والفِطَر، الذي لو اتّفقت الحقلاء لم يهتدوا لأحسن منه بل ولا لمثله (٧).

وأين ما تضمنه (٨) الحكم بالقسامة من حفظ الدماء إلى ما تضمنه (٨) تحليف مَن لا يُشك مع القرائن التي تفيد القطع أنه الجاني؟.

ونظير هذا إذا رأينا رجلًا من أشراف الناس حاسر الرأس بغير عمامة وآخر


= فالبينة. . .، رقم (٢٥١٤)، و (كتاب الشهادات): باب اليمين على المدّعى عليه في الأموال والحدود رقم (٢٦٦٨)، و (كتاب التفسير): باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} رقم (٤٥٥٢)، ومسلم في "الصحيح" (كتاب الأقضية): باب اليمين على المدّعى عليه رقم (١٧١١).
(١) انظر: "زاد المعاد" (٣/ ٢٠١)، و"تهذيب السنن" (٦/ ٣٢٥)، و"أحكام الجناية" (ص ٣٦٣ - ٣٧٦).
(٢) في (ق): "حكمته وشرعه".
(٣) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.
(٤) في (ق) و (ك): "بداره".
(٥) في (ك): "يقتضي".
(٦) في (ق): "ويقال: القول فيه: يحلفه".
(٧) انظر: "زاد المعاد" (٣/ ١٠٠ - ١٠١)، و"تهذيب السنن" (٦/ ٣٢١ - ٣٢٢)، و"الطرق الحكمية" (١٥٥، ١٢٧)، و"كتاب الروح" (ص ١٦)، و"أحكام الجناية" (ص ٣٨٨ - ٣٩٥).
(٨) في (ق) و (ك): "يتضمنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>