للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك الآخذ ولا القابض ولا يرى أحدهما أنه قد خسر شيئًا؟ وهذا بخلاف المصوغ، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وخلفاؤه لم يضربوا درهمًا واحدًا، وأول من ضَربَها في الإسلام عبد الملك بن مروان وإنما كانوا يتعاملون بضرب الكفار.

فإن قيل: فيلزمُكم على هذا أن تُجوِّزوا بيع فروع الأجناس بأصولها متفاضلًا؛ فجوزوا بيع الحنطة بالخبز متفاضلًا والزيت بالزيتون والسمسم بالشيرج.

قيل: هذا سؤال وارد أيضًا، وجوابه أن التحريم إنما يثبت بنص أو إجماع أو تكون الصورة المحرمة بالقياس مساوية من كل وجه للمنصوص على تحريمها، والثلاثةُ منتفيةٌ في فروع الأجناس مع أصولها، وقد تقدم أن غير الأصناف الأربعة (١) لا يقوم مقامها ولا يساويها في إلحاقها بها، وأما الأصناف الأربعة ففرعُها إن خرجَ عن كونه (٢) قوتًا لم يكن من الربويات، وإن كانت قوتًا كان جنسًا قائمًا بنفسه، وحرم بيعه (٣) بجنسه الذي هو مثله متفاضلًا كالدقيق بالدقيق والخبز بالخبز، ولم يحرم (٤) بيعه بجنس آخر وإن كان جنسهما (٥) واحدًا؛ فلا يَحرمُ السمسم بالشيرج ولا الهريسة بالخبز؛ فإن هذه الصناعة لها قيمة؛ فلا تضيع على صاحبها، ولم يحرم بيعها بأصولها في كتاب ولا سنَّة ولا إجماع [ولا قياس] (٦)، ولا حرام إلا ما حرمه اللَّه كما أنه لا عبادة إلا ما شرعها اللَّه، وتحريم الحلال كتحليل الحرام.

[[الخلاف في بيع اللحم بالحيوان]]

فإن قيل: فهذا ينتقض عليكم ببيع اللحم بالحيوان، فإنكم إنْ منعتموه نقضتم قولكم، وإنْ جَوَّزتموه خالفتم النص، وإذا كان النص قد منع من بيع اللحم بالحيوان فهو دليل على المنع من بيع الخبز بالبر والزيت بالزيتون وكُلِّ ربوي بأصله.

قيل: الكلام في هذا الحديث في مقامين: أحدهما في صحته، والثاني في


(١) الكلام المذكور هنا وكذا في مسألة بيع اللحم بالحيوان عند ابن تيمية في "تفسير آيات أشكلت" (٢/ ٦٣٣ وما بعد) مع زيادات وتصرفات من المصنف، رحمهما اللَّه رحمة واسعة.
(٢) في (ك): "كونها".
(٣) في (ن): "وحرم بنفسه".
(٤) في (ن): "ولم يجز"!
(٥) في (ق) و (ك): "أصلهما".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>