للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: إبطال استدلالكم به على جواز الحيل (١).

وثانيهما (٢): بيان دلالته على نقيض مطلوبكم؛ إذ هذا شأن كل دليل صحيح احتج به محتج على باطل؛ فإنه لا بد أن يكون فيه ما يدل على بطلان قوله ظاهرًا أو إيماءً، مع عدم دلالته على قوله.

[[بحث في دلالة المطلق والفرق بينه وبين العام]]

فأمَّا المقام الأول فنقول: غاية ما دل الحديث [عليه] (٣) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره أن يبيع سلعته الأولى بثمنٍ ثم يبتاع بثمنها تمرًا آخر، ومعلوم قطعًا أن ذلك إنما يقتضي البيع الصحيح؛ فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يأذن في العقد الباطل؛ فلا بد أن يكون العقد الذي أذن فيه صحيحًا، والشأن كل الشأن في العقد المتنازع فيه؛ فلو سلم لكم المنارعُ صحته لاستغنيتم عن الاستدلال بالحديث، ولا يمكن الاستدلال [بالحديث] (٤) على صحته؛ لأنه ليس بعام؛ فإن قوله: "بع" مطلق لا عام؛ فهذا البيع لو كان صحيحًا متفقًا على صحته لم يكن هناك لفظ عام يحتج به على تناوله، فكيف وهذا البيع مما قد دلت السنة الصحيحة وأقوالُ الصحابة والقياسُ الصحيح على بطلانه كما تقدم؟ ولو اختلف رجلان في بيعٍ هل هو صحيح أو فاسد، وأراد كل واحد منهما إدخاله في هذا اللفظ؛ لم يمكنه ذلك حتى يثبت أنه بيع صحيح ومتى أثبت أنه بيع صحيح لم يحتج إلى الاستدلال بهذا المطلق؛ فتبين أنه لا حجة فيه على صورة من صور النزاع ألبتة.

ونكتة الجواب أن يقال: الأمر المطلق بالبيع إنما يقتضي البيع الصحيح، ومَنْ سلَّم لكم أن هذه الصورة التي تَوَاطأ فيها البائع والمشتري على الربا وجعلا (٥) السلعة الدخيلة محللًا له غير مقصودة بالبيع بيعٌ صحيح؟ واذا كان الحديث ليس فيه عموم، وإنما هو مطلق، والأمر بالحقيقة المطلقة لشى أمرًا بشيء من صُورَها؛ لأن الحقيقة مشتركة بين الأفراد، والقَدْر المشترك ليس هو ما (٦) يميز به كل واحد من الأفراد عن (٧) الآخر، ولا هو مستلزمًا له؛ فلا يكون الأمر بالمشترك أمرًا بالمميز بحال، وإن كان مستلزمًا لبعض تلك القيود لا بعينه، فيكون


(١) في (ك): "التحيل".
(٢) في (ك) و (ق): "والثاني".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) كذا في (ق) و (ك) وفي سائر الأصول: "وجعل".
(٦) في (ك) و (ق): "مما".
(٧) في (ك): "على".

<<  <  ج: ص:  >  >>