للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٨٦] وثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن اللَّه سبحانه استجاب هذا الدعاء، وقال: قد فعلت (١)؛ وإذا ثبت أنه غيرُ آثمٍ فلم يفعل في صومه محرَّمًا فلم يبطل صومه، وهذا محض القياس؛ فإن العبادة إنما تبْطلُ بفعل محظور أو ترك مأمور (٢).

وطردُ هذا القياس أن من تكلّم في صلاته ناسيًا لم تبطل (٣) صلاته. وطرْدُه أيضًا أن من جامع في إحرامه أو صيامه ناسيًا لم يبطُل صِيامُه ولا إحرامه. وكذلك من تطيّب أو لبِس أو غطّى رأسه أو حلق رأسه أو قَلَّم ظفره ناسيًا فلا فِدْية عليه، بخلاف قَتْل الصيد، فإنه من باب ضمان المُتْلفات فهو كدِية القتِيل، وأما اللباس والطيب فمن باب الترفُّه، وكذلك الحلق والتقليم ليس من باب الإتلاف فإنه لا قيمةَ له في الشرع ولا في العُرف، وطرد هذا القياس أن من فعل المحلوف عليه ناسيًا لم يَحْنَث، سواء حلف باللَّه أو بالطلاق أو بالعتاق (٤) أو غير ذلك؛ لأن القاعدة أن مَنْ فعل المنهيّ عنه ناسيًا لم يُعَدَّ عاصيًا، والحنثُ في الأيمان كالمعصية في الأيمان، فلا يعدُّ حانثًا مَنْ فعل المحلوف عليه ناسيًا.

[[طرد هذا القياس في أمور كثيرة]]

وطرد هذا أيضًا أن من باشر النَّجاسة في الصلاة ناسيًا لم تبطل صلاته، بخلاف من ترك شيئًا من فروض الصلاة ناسيًا أو تَركَ الغُسل من الجنابة أو الوضوء أو الزكاة أو شيئًا من فروض الحج ناسيًا فإنه يلزمه الإتيان به؛ لأنه لم يُؤَدِّ ما أُمر به، فهو في عهدة الأمر؛ وسِرُّ الفرق أن من فعل المحظور ناسيًا يُجعل وجوده كعدمه، ونسيان ترك المأمور لا يكون عذرًا في سقوطه، كما كان فعل


(١) قطعة من حديث طويل: أخرجه مسلم في "الصحيح" (كتاب الإيمان): باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق (١/ ١١٦/ رقم ١٢٦)، والترمذي في "الجامع" (أبواب تفسير القرآن): باب ومن سورة البقرة (٥/ ٢٢١ - ٢٢٢/ رقم ٢٩٩٢)، والنسائي في "الكبرى" (كتاب التفسير) (١/ ٢٩٣ - ٢٩٤/ رقم ٧٩)، وأحمد في "المسند" (١/ ٢٣٣)، والحاكم في "المستدرك" (٢/ ٢٨٦)، وابن جرير في "التفسير" (٣/ ٩٥)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (٢١٠ - ٢١١)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص ٦٧ - ٦٨)، وابن حبان في "الصحيح" (١١/ ٤٥٨/ رقم ٥٠٦٩)، من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-.
(٢) انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (٢٠/ ٥٦٩ - ٥٧٠) -والمذكور منه-، و"المعدول به عن القياس وموقف ابن تيمية منه" (١١٢ - ١١٣).
(٣) في (ن): "لم تفسد".
(٤) في (ق): "العتاق".

<<  <  ج: ص:  >  >>