للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[في] (١) حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تبيعوا الدِّرهم بالدرهمين؛ فإني أخاف عليكم الرِّمَاء، والرَّماء هو الربا" (٢)، فمنعهم من ربا الفَضْل لما يخافه عليهم من ربا النسيئة، وذلك أنهم إذا باعوا درهمًا بدرهمين، ولا يُفعل هذا إلا للتفاوت الذي بين النوعين -إما في الجودة، وإما في السكة، وإما في الثقل والخفة، وغير ذلك- تذرعوا (٣) بالربح المُعجَّل فيها إلى الربح المؤخر، وهو عين ربا النسيئة، وهذه ذريعة قريبة جدًا؛ فمن حكمة الشارع أن سد عليهم هذه الذريعة، ومنعهم من بيع درهم بدرهمين نقدًا ونسيئة؛ فهذه حكمة معقولة مطابقة للعقول، وهي تسد عليهم باب المفسدة.

[[الأجناس التي يحرم فيها ربا الفضل وآراء العلماء في ذلك]]

فإذا تبين هذا فنقول: الشارع نص على تحريم ربا الفَضْل في ستة أعيان، وهي: الذَّهب، والفضة، والبر والشعير، والتمر، والملح، فاتفق الناس على تحريم التفاضل فيها مع اتحاد الجنس، وتنازعوا فيما عداها؛ فطائفة قَصَرَت التحريم عليها، وأقدم من يُروى عنه هذا قتادة (٤)، وهو مذهب أهل الظاهر (٥)،


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٢) أخرجه بهذا اللفظ من حديث ابن عمر: أحمد في "مسنده" (٢/ ١٠٩) من طريق خلف بن خليفة عن أبي جناب الكلبي عن أبيه عن ابن عمر قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الرما، والرما هو الربا".
قال الهيثمي في "المجمع" (٤/ ١١٣): ورواه الطبراني في "الكبير" بنحوه وفيه أبو جناب، وهو ثقة لكنه مدلس.
قلت: أبو جناب هو يحيى بن أبي حَيَّة قال فيه ابن حجر: ضعفوه لكثرة تدليسه.
وأخرجه أحمد (٣/ ٤) مرة ثانية، وزاد: فحدث رجل ابن عمر هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري يحدثه عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فما تم مقالته حتى دخل به على أبي سعيد وأنا معه، فقال: إن هذا حدثني عنك حديثًا. . ." وذكر نحوه.
وروى مالك في "الموطأ" في (البيوع) (٢/ ٦٣٤، ٦٣٥)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٥/ ٢٧٩) من طريق ابن عمر عن عمر أنه قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب. . .؛ فإني أخاف عليكم الرماء، والرماء هو الربا".
وأخرج مسلم (١٥٨٥) عن عثمان رفعه: "لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين".
(٣) في المطبوع: "تدرجوا".
(٤) ذكره عنه ابن قدامة في "المغني" (٤/ ١٢٤) وقبله ابن حزم في "المحلى" (٨/ ٤٦٨).
(٥) انظر: "المحلى" (٨/ ٤٦٨، ٤٨٩)، و"بداية المجتهد" (٢/ ٢٩)، "فقه داود" (٤١٥ - ٤١٦)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>