للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه، فإذا اجتمع القصد والدلالة القولية أو الفعلية ترتَّب الحكم. هذه قاعدة الشريعة، وهي من مقتضيات عدل اللَّه وحكمته ورحمته، فإن خواطر القلوب وإرادة النفوس لا تدخل تحت الاختيار، فلو ترتبت عليها الأحكام لكان في ذلك أعظم حَرَج ومشقة على الأمة، ورحمةُ اللَّه تعالى وحكمته تأبى ذلك.

[الأشياء التي لا يؤاخذ اللَّه المكلف بها]

والغلط والنسيان والسهو وسَبْقُ اللسان بما لا يريده العبدُ بل يريد خلافه والتكلم به مكرهًا وغير عارف لمقتضاه من لوازم البشرية لا يكاد ينفك الإنسان من شيء منه؛ فلو رتب عليه الحكم لحرجت الأمة وأصابها غاية التعب (١) والمشقة؛ فرفع عنها المؤاخذة بذلك كله حتى الخطأ في اللفظ من شدة الفرح والغضب والسكر كما تقدمت شواهده، وكذلك الخطأ والنسيان والإكراه والجهل بالمعنى وسبق اللسان بما لم يرده والتكلم في الإغلاق ولَغْو اليمين؛ فهذه عشرة أشياء لا يؤاخذ اللَّه بها عبدَه بالتكلّم في حال منها؛ لعدم قصده وعقد قلبه الذي يؤاخذه به.


= "التلخيص الحبير" (١/ ٢٨٣) - من حديث ابن عباس: "رفع اللَّه عن أمتي. . . " , وعزاه بلفظ المصنّف السيوطي في "الجامع الصغير" (٢/ ١٦) إلى الطبراني من حديث ثوبان، وهو خطأ، ولفظ الطبراني في "الكبير" (٢/ ٩٤/ رقم ١٤٣٠): "إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ. . . "، وتابع السيوطي على هذا الوهم: المناوي في "الفيض" (٤/ ٣٥)، وأقر السيوطي شيخنا الألباني في "صحيح الجامع" (رقم ٣٥١٥)، ولكنه نبه في "الإرواء" (رقم ٨٢) أنه منكر بلفظ: "رفع عن أمتي. . . ".
وعلى كل فالحديث له شواهد عديدة، ولحديث ابن عباس طرق كثيرة يصل معها إلى درجة الصحة، وحسنه النووي في "أربعينه" (رقم ٣٩).
وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (٢/ ٥٧٣)، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" (١/ ٩٠ - ٩١) من طريق جعفر بن جسر عن أبيه عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعًا: "رفع اللَّه عز وجل عن هذه الأمة الخطأ والنسيان والأمر يكرّهون عليه"، وإسناده ضعيف، فيه جعفر بن جسر في حفظه اضطراب شديد، كان يذهب إلى القدر، وحدث بمناكير، وأبوه مضعف. انظر "الميزان" (١/ ٤٣٠ - ٤٠٤)، ولأحمد الغماري جزء بعنوان: "شهود العيان بثبوت حديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"، وصححه ابن حبان والضياء المقدسي والذهبي والسخاوي في "المقاصد" (ص ٢٢٩) وجماعة.
وانظر -مفصلًا- "نصب الراية" (٢/ ٦٥).
(١) في (ن) و (ك) و (ق): "العنت".

<<  <  ج: ص:  >  >>