للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ابتداء إحداث كنيسة في دار الإسلام ولا يمنعون من استدامتها، ولو حلف لا يتزوج أو لا يتطيّب أو لا يتطهّر فاستدام ذلك لم يحنث وإن ابتدأه حنث، وأضعاف أضعاف ذلك من الأحكام التي يُفرَّق فيها بين الابتداء والدوام؛ فيحتاج في ابتدائها إلى ما لا يحتاج إليه في دوامها، وذلك لقوة الدوام وثبوته واستقرار حكمه، وأيضًا فهو مستصحب بالأصل، وأيضًا فالدفع أسهل من الرفع (١)، وأيضًا فأحكام التَّبَع يثبت فيها ما لا يثبت في المتبوعات، والمُستدام تابع لأصله الثابت؛ فلو لم يكن في المسألة نص لكان القياس يقتضي صحة ما ورد به النص، فكيف وقد توارد عليه النص والقياس؟.

[[عدم تعارض شيئين في هذه المسألة]]

فقد تبيَّن أنه لم يتعارض في هذه المسألة عام وخاص ولا نص وقياس، بل النص فيها والقياس متفقان، والنص العام لا يتناول مورد الخاص ولا هو داخل تحت لفظه، ولو قُدّر صلاحية لفظه له فالخاص بيان لعدم إرادته، فلا يجوز تعطيل حكمه وإبطاله، بل يتعين إعماله واعتباره، ولا تضرب (٢) أحاديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعضها ببعض، وهذه القاعدة أولى من القاعدة التي تتضمن إبطال إحدى السُّنتين وإلغاء أحد الدليلين (٣)، واللَّه الموفق.

[[موازنة بين صورتين بطلت فيهما الصلاة]]

ثم نقول: الصورة التي أبطلتم فيها الصلاة -وهي حالة طلوع الشمس- وخالفتم السنة أولى بالصحة من الصورة التي وافقتم فيها السنة؛ فإنه إذا ابتدأ العصر قبل الغروب فقد ابتدأها في وقت نهي، وهو وقت ناقص، بل هو أولى الأوقات بالنقصان، كما جعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وقت صلاة المنافقين حين تصير الشمس بين قرنَيْ شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار (٤)، وإنما كان النهي عن الصلاة قبل


(١) في المطبوع: "فالدافع أمهل من الرافع".
(٢) في (ك): "نضرب".
(٣) انظر "الأوسط" (٢/ ٣٠٨) لابن المنذر، و"الخلافيات" للبيهقي (١/ ٣٢٩)، و (فهارسه) (١/ ٥٦٩).
(٤) أما صلاة المنافقين حين تصير الشمس بين قرني شيطان، فقد تقدم في حديث رواه مسلم (٦٢٢).
وأما سجود الكفار لها، ففي حديث آخر، رواه مسلم -أيضًا- في "الصحيح" (كتاب صلاة المسافرين): باب إسلام عمرو بن عبسة (رقم ٨٣٢)، من حديث عمرو بن عبسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>