للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقصة يوسف لم تكن (١) من هذا الضرب، نعم لو كان يوسف أخذ أخاه بغير أمره لكان لهذا المحتج شبهة، مع أنه لا دلالة في ذلك على هذا التقدير أيضًا؛ فإن مثل هذا لا يجوز في شرعنا بالاتفاق، [وهو] (٢) أن يُحبس رجل بريء ويُعتقل للانتقام من غيره من غير أن يكون له جُرْم، [ولو قدر أن ذلك وقع من يوسف فلا بد أن يكون بوحي من اللَّه ابتلاءً منه] (٣) لذلك المعتقل، كأمر إبراهيم -عليه السلام- (٤) بذَبْح ابنه، فيكون المبيح له على هذا التقدير وحيًا خاصًا كالوحي الذي جاء إبراهيم بذبح ابنه، وتكون حكمته في حق المبتلى امتحانه وابتلاءه لينال درجة الصبر على حكم اللَّه والرضا بقضائه، فيكون (٥) حاله في هذا كحال أبيه يعقوب في احتباس يوسف عنه.

[كيد اللَّه]

وهذا معلوم من فقه القصة وسياقها (٦) ومن حال يوسف، ولهذا قال تعالى (٧): {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ [إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ] (٨)} [يوسف: ٧٦] فنسب اللَّه تعالى هذا الكيد إلى نفسه كما نَسَبَه إلى نفسه في قوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: ١٥ - ١٦] و [في] (٨) قوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [النمل: ٥٠] وفي قوله: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (٩) [الأنفال: ٣٠].

وقد قيل: إن تسمية ذلك مكرًا وكيدًا واستهزاءً وخِداعًا من باب الاستعارة ومجاز المقابلة نحو: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] ونحو قوله: {فَمَنِ


(١) في "بيان الدليل": "ولم تكن قصة يوسف".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من "بيان الدليل".
(٣) بدل ما بين المعقوفتين في "بيان الدليل": "وقد بينا ضعف هذا القول فيما مضى، كان كان حقًا؛ فيوشك أن يكون اللَّه سبحانه أمر باعتقاله، وكان هذا ابتلاء من اللَّه. . . ".
(٤) في نسخ "الإعلام": "كما ابتلى إبراهيم".
(٥) في إحدى مخطوطتي "بيان الدليل": "ويكون"، وهو المثبت في المطبوع منه، وفي الأخرى ما أثبتناه، كما أفاده محققه، وفي نسخ "الإعلام" كلها: "وتكون".
(٦) في "بيان الدليل": "وهذا الذي ذكرناه بيّن يعلم من سياق الكلام".
(٧) في "بيان الدليل": "وقد دل عليه قوله سبحانه".
(٨) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "الآية".
(٩) في (ق): {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ} الآية [آل عمران: ٥٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>