للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصيام (١)، وهذا كثير جدًا] (٢)، وغير مستنكر في واجبات الشريعة أن يخفف اللَّه تعالى الشيء منها عند المشقة بفعل ما يشبهه من بعض الوجوه كما في الإبدال وغيرها، لكن مثل قصة أيوب لا يحتاج إليها في شرعنا؛ لأن الرجل لو حَلَفَ ليضربَنَّ أمته (٣) أو امرأته مئة ضربة أمكنه أن يكفِّر عن يمينه من غير احتياج إلى حيلة وتخفيف (٤) الضرب بجَمْعه، ولو نذر ذلك فهو نذر معصية فلا شيء عليه عند طائفة، وعند طائفة عليه كفارة يمين (٥)، وأيضًا فإن المُطْلَق من كلام الآدميين محمولٌ على ما فسر به المطلق من كلام الشارع خصوصًا في الأيمان؛ فإن الرجوع فيها إلى عُرف الخطاب شرعًا أو عادة أولى من الرجوع [فيها] (٦) إلى موجب اللفظ في أصل اللُّغة، واللَّه سبحانه وتعالى قد قال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] وقال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ]} (٧) [النور: ٤] وفهم الصحابة والتابعون ومَنْ بعدهم من ذلك أنه ضربات متعددة متفرقة لا مجموعة، إِلا أن يكون المضروب معذورًا عذرًا لا يُرْجى زواله؛ فإنه يُضرب؛ ضربًا مجموعًا، وإن كان يُرْجى زواله فهل يُؤخَّر إلى الزَّوال، أو يقام عليه مجموعًا؟ فيه خلاف بين الفقهاء، فكيف يقال: إن الحالف ليضربن موجَبُ يمينه هو الضربُ المجموع مع صحة المضروب وقوته؟ فهذه الآية هي أقوى ما يعتمد عليه أرباب الحيل، وعليها بنوا حيلهم، وقد ظهر بحمد اللَّه تعالى أنه لا متمسك لهم فيها البتَّة.

[فصل [الكلام عن حيلة يوسف]]

وأما إخباره سبحانه وتعالى عن يوسف -عليه السلام- أنه جعل صُوَاعه في رَحْل أخيه


= رواه مالك في "الموطأ" (١/ ٣٠٨) بلاغًا عن ابن عمر في الحامل إذا خافت على ولدها قال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينًا.
هكذا هو في "الموطأ" بلاغًا، ورواه البيهقي في "سننه الكبرى" (٤/ ٢٣٠) من طريق الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر موصولًا.
(١) انظر: "زاد المعاد" (١/ ١٥٤)، و"بدائع الفوائد" (٤/ ٤٥، ١٠١).
(٢) ما بين المعقوفتين ليس في "بيان الدليل".
(٣) في (ن) و (ق): "عبده".
(٤) في "بيان الدليل": "أن يخفف".
(٥) فصل المصنف الخلاف في "إغاثة اللهفان" (٢/ ٩٧ - ٩٩)، وانظر: "الإشراف" للقاضي عبد الوهاب (٤/ ٣٢٢ مسألة رقم ١٦٧٣)، وتعليقي عليه.
(٦) ما بين المعقوفتين من "بيان الدليل".
(٧) ما بين المعقوفتين سقط في (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>