للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمة ذلك إشارة بحسب عقولنا الضعيفة وعباراتنا القاصرة، وشرع الرب تعالى وحكمته فوق عقولنا وعباراتنا، فنقول (١):

[الربا نوعان: جليّ وخفي، والجلي النسيئة]

الربا نوعان: جَلي، وخفي، فالجلي حُرِّم لما فيه من الضرر العظيم، والخفي حرم لأنه ذريعة إلى الجلي فتحريم الأول قصدًا، وتحريم الثاني وسيلة (٢)، فأما الجلي فربا النسيئة، وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، مثل أن يُؤخِّر دينه ويزيده في المال، وكلما أخره زاد في المال، حتى تصير المئة عنده [آلافًا] (٣) مؤلفة؛ وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدمٌ محتاج؛ فإذا رأى أن المُستحق يُؤخِّر مطالبته ويصبر عليه بزيادة يبذلها له تكلَّف بذلها ليفتدي من أسر المطالبة والحبس، ويدافع من وقت إلى وقت، فيشتد ضرره، [وتعظم مصيبته] (٤)، ويعلوه الدَّيْن حتى يستغرقَ جميع مَوْجوده، فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصل له، ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه، فيأكل مال أخيه بالباطل، ويحصل أخوه على غاية الضرر، فمن رحمة أرحم الراحمين وحكمته وإحسانه إلى خلقه أن حَرَّم الربا، ولعن آكله ومؤكله وكاتبه وشاهديه (٥)، وآذن من لم يَدَعْه بحربه وحرب رسوله، ولم يجئ مثل هذا الوعيد في كبيرة غيره، ولهذا كان من أكبر الكبائر (٦). وسئل الإمام أحمد عن الربا الذي لا شك فيه فقال: [هو] أن يكون له دين فيقول له: أتقضي أم تربي؟ فإن لم يقضه زاده في المال وزاده هذا في الأجل (٧) وقد


(١) المذكور من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في "تفسير آيات أشكلت" (٢/ ٥٩٨ وما بعده) وبعضه من كلامه بالنص والحرف وكلمة فنقول سقطت من (ك).
(٢) في (ق): "فتحريم الأول قصد، والثاني وسيلة".
(٣) بدل ما بين المعقوفتين في (د): "آفالًا"!.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(٥) روى مسلم في (المساقاة): (١٥٩٨) باب لعن آكل الربا وموكله، من حديث أبي الزبير عن جابر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لعن اللَّه آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه"، وفيه عنعنة أبي الزبير.
وفي "صحيح البخاري" (٢٠٨٦) -وأطرافه هناك- من حديث أبي جُحيفة: "ولعن آكل الربا وموكله".
وله شواهد -أيضًا- بطوله، انظرها في "إرواء الغليل" (٥/ ١٨٣ - ١٨٥).
(٦) انظر حول وعيد المرابي بالمحاربة: "طريق الهجرتين" (ص ٦٥٩ - ٦٦٠)، و"الكبائر" (ص ٤٩ - بتحقيقنا) للذهبي و"المجالسة" (٢٧٦٧ - بتحقيقي).
(٧) نقل المصنف عن شيخه ابن تيمية في "تفسير آيات أشكلت" (٢/ ٥٩٧) سؤال أحمد وجوابه وكذا الكلام اللاحق مع الآيات والأحاديث والآثار، وما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>