للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخوف والرجاء ما لا يحصل بدونها، فالمراقبةُ أساسُ الأعمال القلبية كلها وعمودها الذي قيامها به، ولقد جمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أصول أعمال القلب وفروعها كلها في كلمة واحدة، وهي قوله في الإحسان: "أن تعبد اللَّه كأنك تراه" (١)، فتأمل كل مقام من مقامات الدين وكل عمل من أعمال القلوب كيف تجد هذا أصله ومنبعه؟ (٢).

والمقصود أن العبد محتاج إلى السكينة عند الوساوس المعترضة في أصل الإيمان ليثبت قلبه، ولا يَزيغ وعند الوساوس والخَطَرات القادحة في أعمال الإيمان لئلا تقوى وتصير همومًا وغمومًا وإرادات ينقص بها إيمانه وعند أسباب المخاوف على اختلافها ليثبت قلبه ويسكن جأشه، وعند أسباب الفرح لئلا يطمح به مركبُه، فيجاوز الحد الذي لا يعبر فينقلب ترحًا وحزنًا، وكم ممن (٣) أنعم [اللَّه] عليه بما يُفرحه (٤) فجمح به مركب الفرح (٥) وتجاوز الحد، فانقلب ترحًا عاجلًا، ولو أُعِيْن بسكينة تُعَدِّل فرحَه لأُريد به الخيرِ، وباللَّه التوفيق، وعند هجوم الأسباب المؤلمة على اختلافها الظاهرة والباطنة فما أحوجه إلى السكينة حينئذ، وما أنفعها له وأجداها عليه وأحسن عاقبتها.

والسكينة في هذه المواطن علامة على الظفر وحصول المحبوب، واندفاع المكروه، وفقدها علامة على ضد ذلك، لا يخطئ هذا, ولا هذا، واللَّه المستعان.

[[الاضطلاع بالعلم]]

وأما قوله: "أن يكون قويًا على ما هو فيه؛ وعلى معرفته" أي مستظهرًا مضطلعًا (٦) بالعلم متمكنًا منه غير ضعيف فيه، فإنه إذا كان ضعيفًا قليل البضاعة غير مضطلع به؛ أحجم عن الحق في موضع ينبغي فيه الإقدام؛ لقلَّة علمه بمواضع الإقدام والإحجام، فهو يُقْدم في غير موضعه، ويُحْجم في غير موضعه،


(١) قطعة من حديث طويل: أخرجه البخاري في "الصحيح" (كتاب الإيمان): باب سؤال جبريل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الإيمان والإِسلام والإحسان (١/ ١١٤/ رقم ٥٥)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الإيمان): باب بيان الإيمان والإِسلام والإحسان (١/ ٣٦ - ٣٨ رقم ٨) عن عمر -رضي اللَّه عنه-.
(٢) في (ق): "كيف تجدها أصله ومنبعه".
(٣) في (ق): "ترحات وحزنًا، وكم من".
(٤) في (ق): "بما يفرح به"، وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٥) في (ت): "الفرج".
(٦) في (ق): "متظلعًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>