للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين هذا وهذا، بل قد رأينا ذلك في الباب الواحد، وهذا من أقبح التناقض.

[[وجوب الأخذ بالحديث وترك كل ما خالفه]]

والذي ندينُ اللَّه به ولا يَسَعُنَا غيره وهو القصد في هذا الباب أن الحديث إذا صح عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذُ بحديثه وتَرْكُ كل ما خالفه، ولا فتركه لخلاف أحدٍ من الناس كائنًا من كان لا راويه ولا غيره؛ إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديثَ، أو لا يَحْضُره (١) وقتَ الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأول فيه تأويلًا مرجوحًا، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارَضًا في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه، ولو قدر انتفاء ذلك كله، ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه، لم يكن الراوي معصومًا، ولم توجب مخالفَتُه لما رواه سقوطَ عدالتِهِ حتى تغلب سيئاته حسناته، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك.

[فصل [تغير الفتوى بمسألة الطلاق الثلاث حسب الأزمنة]]

إذا عرف هذا فهذه المسألة مما تغيرت الفَتْوَى بها بحسب الأزمنة كما عرفت؛ لما رأته (٢) الصحابة من المصلحة؛ لأنهم رأوا مَفْسَدة تتابع الناس في إيقاع الثلاث لا تندفع إلا بإمضائها عليهم، فرأوا مصلحة الإمضاء أقوى من مفسدة الوقوع، ولم يكن باب التحليل الذي لَعَنَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاعلَه (٣) مفتوحًا بوجه ما، بل كانوا أشد خلق اللَّه في المنع منه، وتوعد عمر فاعله بالرجم (٤)، وكانوا عالمين بالطلاق المأذون فيه وغيره.

[[لعنة التحليل بالتيس المستعار]]

وأما في هذه الأزمان التي قد شَكَتِ الفروجُ فيها إلى ربها من مفسدة التحليل، وقبح ما يرتكبه المحللون مما هو رَمَد بل عَمًى في عين الدين وشَجًى


(١) في (ك): "يحضر".
(٢) في (ك) و (ق): "رآه".
(٣) حديث لعن المحلل والمحلل له سيأتي تخريجه مفصلًا بعد قليل.
(٤) سيأتي تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>