للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في حلوق المؤمنين، من قبائحَ تُشْمِتُ أعداء الدين به وتمنع (١) كثيرًا ممن يريد الدخول فيه بسببه، بحيث لا يحيط بتفاصيلها خطاب، ولا يحصرها كتاب (٢)، يراها المؤمنون كلهم من أقبح القبائح، ويعدّونها من أعظم الفضائح، قد قلبت من الدين رَسْمَه، وغيّرت منه اسمه، وضمخ التيس المستعار فيها المطلقة بنجاسة التحليل، وقد زعم أنه قد طيّبها (٣) للحليل، فياللَّه العجب! أيُّ طيب أعارَهَا هذا التيسُ الملعون؟ وأي مصلحة حصلت لها ولمطلقها بهذا الفعل الدُّون؟ أترى وقوفَ الزوج المطلِّق أو الولي على الباب والتيسُ الملعونُ قد حل إزارها وكشف النقاب وأخَذَ في ذلك المرتع والزوجُ أو الولي يُنَاديه: لم يقدَّم إليك هذا الطعام لتشبع، فقد علمت أنت والزوجة ونحن والشهود والحاضرون والملائكة الكاتبون ورب العالمين أنك لست معدودًا من الأزواج، ولا للمرأة أو (٤) أوليائها بك رضًا ولا فرح ولا ابتهاج، وإنما أنت بمنزلة التيس المستعار للضِّرَاب، الذي لولا هذه البَلْوَى لما رضينا وقوفَكَ على الباب؛ فالناس يُظهرون النكاح ويعلنونه فرحًا وسرورًا، ونحن نتواصَى بكتمان هذا الداء العُضال ونجعله أمرًا مستورًا؛ بلا نِثَار ولا دُفٍّ ولا خِوَان ولا إعلان، بل التواصي بهُمسَّ ومسَّ (٥) والإخفاء والكتمان؛ فالمرأة تُنكَح لدينها وحسبها ومالها وجمالها، والتيس المستعار لا يسأل عن شيء من ذلك، فإنه لا يمسك بعصمتها، بل قد دخل على زوالها، واللَّه تعالى قد جعل كل واحد من الزوجين سكَنًا لصاحبه، وجعل بينهما مودة ورحمة ليحصل بذلك مقصودُ هذا العقد العظيم، وتتم بذلك المصلحة التي شَرَعَهُ لأجلها العزيزُ الحكيم، فسَلِ التيسَ المستعار: هل له من ذلك نصيب، أو هو من حكمة هذا العقد ومقصوده ومصلحته أجنبي غريب؟ وسَلْه: هل اتخذ هذه المصابة حليلة وفراشًا يأوِي إليه؟ ثم سَلْها: هل رضيت به قط زوجًا وبعلًا تُعَوِّلُ في نوائبها عليه؟ وسل أولي التمييز والعقول: هل تزوجت فلانة بفلان؟ وهل يعد هذا نكاحًا في شرع أو عقل أو فطرة إنسان؟ وكيف يلعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا من أمته نكح


(١) في (و): "ويمنع".
(٢) انظر: "إغاثة اللهفان" (١/ ٤٠٦ - ٤٩٨ - تحقيق: محمد عفيفي)، و"مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (٣٢/ ٩٤ - ٩٧ و ١٤٦ - ١٦٤ و ٣٣/ ٣٧ - ٤٠)، ورسالة شيخ الإسلام: "إقامة الدليل على إبطال التحليل".
(٣) في (ق): "وطئها".
(٤) في (ك) و (ق): "و".
(٥) أشار في هامش (ق) إلى أن: "هُس: زجر للغنم".

<<  <  ج: ص:  >  >>