للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفروعه لها، وإنما الشأن فيمن عمل في مال غيره عملًا بغير إذنه ليتوصل بذلك العمل إلى حقه، أو فعله حفظًا لمال المالك واحترازًا له من الضياع؛ فالصواب أنه يرجع عليه بأجرة عمله، وقد نص عليه الإمام أحمد -رضي اللَّه عنه- في عدة مواضع: منها أنه إذا حصد زرعه في غيبته فإنه نص (١) على أنه يرجع عليه بالأجرة، وهذا من أحسن الفقه، فإنه إذا مرض أو حبس أو غاب فلو ترك زرعه بلا حَصَاد لهلك وضاع، فإذا علم مَنْ يحصده له أنه يذهب عليه عمَلُه ونفقتُه ضياعًا لم يُقْدِمْ على ذلك، وفي ذلك من إضاعة المال وإلحاق الضرر بالمالك ما تأباه الشريعة الكاملة؛ فكان من أعظم محاسنها أن أذِنَتْ للأجنبي في حَصَاده والرجوع على مالكه بما أنفق عليه حفظًا لماله ومال المحسن إليه، وفي خلاف ذلك إضاعة لمالَيهما أو مال أحدهما، ومنها ما نص عليه (٢) فيمن عمل في قَنَاة رجل بغير إذنه فاستخرج الماء، قال: لهذا الذي عمل نفقته، ومنها لو انكسرت سفينته فوقع متاعه في البحر فخلَّصه رجل فإنه لصاحبه، وله عليه أجرة مثله، وهذا أحسن من أن يقال: لا أجرة له؛ فلا تطيب نفسه بالتعرض للتلف والمشقة الشديدة ويذهب عمله باطلًا أو يذهب مال الآخر ضائعًا، وكل منهما فساد محض (٣)، والمصلحة في خلافه ظاهرة، والمؤمنون يرون قبيحًا أن يذهب عمل مثل هذا ضائعًا ومال هذا ضائعًا، ويرون من أحسن الحسن أن يسلم مال هذا وينجح سَعْيُ هذا، واللَّه الموفق.

[[ضمان دين الميت الذي لم يترك وفاء]]

المثال الحادي والسبعون: رد السنة الثابتة الصريحة المحكمة في [صحة] (٤) ضمان دين الميت الذي لم يُخَلِّفْ وفاء، كما في "الصحيحين" عن أبي قتادة قال: "أُتِيَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بجنازة ليصلي عليها، فقال: أعليه دَيْن؟ فقالوا: نعم ديناران، فقال: أتَرَكَ لهما وفاءً؟ قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة: هما عليّ يا رسول اللَّه، [فصلّى عليه] " (٥) فردت هذه السنة برأي لا يُقَاومها، وهو


(١) انظر: "القواعد" (٢/ ٧١ - ٧٢ - بتحقيقي).
(٢) في رواية أبي حرب الجرجرائي، ومضت.
(٣) في (ن): "وكلها فساد محض"، وفي (ق): "وكلاهما فساد محض".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) حديث أبي قتادة هذا ليس في "الصحيحين"! فقد رواه أحمد في "مسنده" (٥/ ٣٠١ - ٣٠٢ و ٣٠٤ و ٣١١)، والدارمي (٢/ ٢٦٣)، والترمذي (١٩٦٩) في (الجنائز): باب ما =

<<  <  ج: ص:  >  >>