للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي سلكت ظاهر الشرع ولم تؤوله (١).

وأنت إذا تأملت ما عرض في الشريعة في هذا الوقت من الفساد العارض فيها من قِبَل التأويل تبيَّنت أن هذا المثال صحيح.

وأول من غير هذا الدواء الأعظم هم الخوارج، ثم المعتزلة بعدهم، ثم الأشعرية، ثم الصوفية، ثم جاء أبو حامد (٢) فطمَّ الوادي على القَرِيِّ" (٣)، هذا كلامه بلفظه (٤).

ولو ذهبنا نستوعب ما جناه التأويل على الدنيا والدين، وما نال الأمم قديمًا وحديثًا بسببه من الفساد لاستدعى ذلك عدَّة أسفار (٥)، واللَّه المستعان.

[[لا يعمل بالفتوى حتى يطمئن لها قلب المستفتي]]

الفائدة السادسة والخمسون: لا يجوز العمل (٦) بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله (٧)، وتردد فيها؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "استفت نفسك (٨)، وإن أفتاك الناس وأفتوك" (٩)، فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولًا، ولا تخلِّصه فتوى المفتي من اللَّه إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من قضيت له بشيء من [حق] (١٠) أخيه، فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار" (١١) والمفتي والقاضي


= ولحديث عوف شواهد عديدة من حديث أبي هريرة ومعاوية وأنس بن مالك وعبد اللَّه بن عمرو، وقد صححه جمع من الحفاظ؛ كما بيّنتُه في تعليقى على "الاعتصام" (١/ ١٠٩، ١٦٨ - ١٦٩، ٣/ ١٥٧، ٢٥٩)، وانظر: "السلسلة الصحيحة" (رقم ٢٠٣، ٢٠٤).
(١) في مطبوع "الكشف" بعدها: "تأويلًا صرحت به للناس"!!.
(٢) "يعني الغزالي، وبهذه الكلمة الصادقة من ابن رشد وضحت حقيقة الغزالي" (و).
(٣) وجدتُ المثالَ المذكور للمتأولين عند ابن رشد في كتاب آخر له، هو "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال" (ص ٣٤).
(٤) "راجعت نقول ابن القيم على مصادرها عند الجويني والغزالي وابن رشد، فوجدت الأمانة التي تخاف اللَّه وتكبر الحق" (و).
(٥) للدكتور محمد أحمد لوح دراسة مفردة مطبوعة، بعنوان: "جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية" وهي جيدة، وفيها تفصيل وتأصيل، فانظرها إن شئت الاستزادة.
(٦) في (ق): "لا يجوز له العمل".
(٧) في (ك): "فتواه".
(٨) في (ق): "قلبك".
(٩) سبق تخريجه.
(١٠) ما بين المعقوفتين سقط من (ت).
(١١) رواه البخاري (٢٤٥٨) في (المظالم): باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه، =

<<  <  ج: ص:  >  >>