للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُفَقِّهه (١) في الدين ويعلمه التأويل (٢)، والفرق بين الفقه والتأويل أن الفقه هو فهمُ المعنى المراد (٣)، والتأويل إدراك الحقيقة التي يؤول إليها المعنى التي هي آخيَّتُه وأصله، وليس كل من فقه في الدين عرف التأويل، فمعرفة التأويل يختص به الراسخون في العلم، وليس المراد به تأويل التحريف وتبديل المعنى؛ فإن الراسخين في العلم يعلمون بُطلانَه، واللَّه يعلم بطلانه.

فصل [اختلفوا هل تحيط النصوص بحكم جميع الحوادث.

[رأي الفرقة الأولى]

والناس انقسموا في هذا الموضع إلى ثلاث فرق: فرقة قالت: [إن] (٤) النصوص لا تحيط بأحكام الحوادث، وغلا بعض هؤلاء حتى قال: ولا بعُشر معشارها (٥)، قالوا: فالحاجة إلى القياس فوق الحاجة إلى النصوص، ولعمرُ اللَّه إن هذا مقدار [النصوص في] (٦) فهمه وعلمه ومعرفته لا مقدارها في نفس الأمر، واحتج هذا القائل بأن النصوص متناهية، وحوادث العباد غير متناهية، وإحاطة المتناهي بغير المتناهي ممتنع، وهذا احتجاج فاسد [جدًا] (٤) من وجوه:

أحدها: أن مالا تتناهى أفراده لا يمتنع أن يُجعل أنواعًا، فيُحكم لكل نوع منها بحكم واحد فتدخل الأفراد التي لا تتناهى تحت ذلك النوع.

الثاني: أن أنواع الأفعال بل والأعراض كلها متناهية.

الثالث: أنه لو قُدِّر عدم تناهيها فإن أفعال (٧) العباد الموجودة إلى يوم القيامة متناهية، وهذا كما تُجعل الأقارب نوعين: نوعًا مباحًا، وهو بنات العَمِّ والعمة وبنات الخال والخالة، وما سوى ذلك حرام، وكذلك تجعل ما ينقض الوضوء محصورًا، وما سوى ذلك لا ينقضه، وكذلك ما يفسد الصوم، وما يوجب الغسل وما يوجب العدة، وما يُمنع منه المحرمُ، وأمثال ذلك، وإذا كان أرباب المذاهب


(١) في (ق): "يفهمه" وفي الهامش: "صوابه يفقهه".
(٢) سبق تخريجه.
(٣) في (ق) و (ك): "هو معنى المراد".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) انظر: "الإحكام" لابن حزم، "مجموع فتاوى ابن تيمية" (١٩/ ٢٨٠).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٧) في (ق): "تناهيها فأفعال العباد".

<<  <  ج: ص:  >  >>