للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلطت أقوال الأئمة وفتاويهم بأقوال المنتسبين إليهم واختياراتهم فليس كل ما في كتبهم منصوصًا عن الأئمة، بل كثير منه يخالف نصوصهم، وكثير منه (١) لا نص لهم فيه، وكثير منه يُخرَّج على فتاويهم، وكثير منه (٢) أفتوا به بلفظه أو بمعناه، فلا يحل لأحد أن يقول: "هذا قول فلان ومذهبه" إلا أن يعلم (٣) يقينًا أنه قوله ومذهبه، فما أعظم خطر المفتي وأصعب مقامه بين يدي اللَّه تعالى (٤)!

وأما القسم الثالث: فإنه يسعه أن يخبر المستفتي (٥) بما عنده في ذلك ما يغلب (٦) على ظنه أنه الصواب بعد بذل جهده واستفراغ وسعه، ومع هذا فلا يلزم (٧) المُستفتي الأخذ بقوله وغايته أنه يسوغ له الأخذ به.

فلينزل المفتي نفسه في منزلة من هذه المنازل الثلاث وليقم بواجبها، فإن الدِّينَ دينُ اللَّه، واللَّه سبحانه [ولا بُدَّ] (٧) سائله عن كل ما أفتى به، وهو مَوْقرة (٨) عليه، ومحاسب ولا بد، واللَّه المستعان.

[[يفتي المفتي بما يعتقد أنه الصواب وإن كان خلاف مذهبه]]

الفائدة الخامسة عشرة: ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي اللَّه [سبحانه] (٩) أن يفتي السائل بمذهبه الذي يقلده وهو يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه وأصح دليلًا فتحمله الرياسة على أن يقتحم (١٠) الفتوى بما يغلب على ظنه أن الصواب في خلافه فيكون خائنًا للَّه ورسوله وللسائل وغاشًا له، واللَّه لا يهدي كيد الخائنين، وحرَّم الجنة على من لقيه وهو غاش للإسلام وأهله، والدين النصيحة، والغش مضادٌّ للدين كمضادة الكذب للصدق والباطل للحق، وكثيرًا ما ترد المسألة نعتقد [فيها خلاف المذهب، فلا يسعنا أن نفتي بخلاف ما نعتقده] (١١)


(١) في (ق): "وكثير منها".
(٢) في (ق): "وكثير منهم".
(٣) في (ق): "يعلمه".
(٤) في (ق): "يدي اللَّه سبحانه".
(٥) في (ق): "المفتي".
(٦) في (ت): "ومما"، وفي المطبوع: "مما".
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ت)، وفي (ق): "لا بد أن يسأله".
(٨) أي: يحمله حملًا ثقيلًا، وذلك من شدة المحاسبة والمؤاخذة، وفي (ق): "موقف عليه ومحاسبة".
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(١٠) في (ق): "يتقحم".
(١١) ما بين المعقوفتين سقط من (ت).

<<  <  ج: ص:  >  >>