للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأطعمة والثياب وغيرها من غير سؤال عن أسباب حِلِّها اكتفاء بتقليد أربابها" جوابه أن هذا ليس تقليدًا في حكم من أحكام اللَّه ورسوله من غير دليل، بل هو اكتفاء بقبول قول الذابح والبائع، وهو اقتداءٌ واتباع لأمر اللَّه ورسوله، حتى لو كان الذابح والبائع يهوديًا أو نصرانيًا أو فاجرًا اكتفينا بقوله في ذلك، ولم نسأله عن أسباب الحل، كما قالت عائشة رضي اللَّه عنها: يا رسول اللَّه إن ناسًا يأتوننا باللُّحْمان لا ندري أذكروا اسم اللَّه عليها أم لا، فقال: "سمُّوا أنتم وكُلوا" (١) فهل يَسوغُ لكم تقليدُ الكفار والفساق في الدين كما تقلدونهم في الذبائح والأطعمة؟ فدعوا (٢) هذه الاحتجاجات الباردة وادخلوا معنا في الأدلة الفارقة بين الحق والباطل؛ لنعقد معكم عقد الصلح اللازم على تحكيم كتاب اللَّه وسنة رسوله والتحاكم إليهما وترك أقوال الرجال لهما، وأن ندور مع الحق حيث كان، ولا نتحيَّز إلى شخص معين غير الرسول، نقبل قولَه كُلَّه، ونردُّ قول (٣) مَنْ خالفه كلَّه، وإلا فاشهدوا بأنَّا أولُ منكرٍ لهذه الطريقة وراغبٍ عنها داعٍ إلى خلافها، واللَّه المستعان.

[هل كُلِّف الناس كلهم الاجتهاد؟]

الوجه الثاني والستون: قولكم: "لو كلف الناس كلهم الاجتهاد وأن يكونوا علماء ضاعت مصالح العباد وتعطَّلت الصنائع والمتاجر وهذا مما لا سبيل إليه شرعًا وقدرًا" فجوابه من وجوه؛ أحدهما: أن من رحمة اللَّه سبحانه بنا ورأفته [أنه] (٤) لم يكلْفنا بالتقليد، فلو كلفنا به لضاعت أمورنا، وفسدت مصالحنا، لأنَّا لم نكن ندري من نقلد من المفتين والفقهاء، وهم عدد فوق المئتين، ولا يَدري عددهم في الحقيقة إلا اللَّه، فإن المسلمين قد ملأوا الأرض شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا، وانتشر الإسلام بحمد اللَّه وفضله وبلغ ما بلغ الليل، فلو كُلفنا بالتقليد لوقعنا في أعظم العبث (٥) والفساد، ولكلفنا بتحليل الشيء وتحريمه وإيجاب الشيء وإسقاطه معًا إن كلفنا بتقليد كل عالم، وإن كلفنا بتقليد الأعلم فالأعلم


(١) رواه البخاري (٢٠٧٥) في (البيوع): باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات، و (٥٥٠٧) في (الذبائح): باب ذبيحة الأعراب ونحوهم، و (٧٣٩٨) في (التوحيد): باب السؤال بأسماء اللَّه تعالى والاستعاذة، من حديث عائشة.
(٢) في (ق) و (ك): "فتدعوا".
(٣) مكررة في (ق).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) في المطبوع: "العنت".

<<  <  ج: ص:  >  >>