للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قائله حكاية محضة (١).

والصواب أنه إذا ترجَّح عنده قول غير إمامه بدليل راجح، فلا بد أن يخرَّج على أصول إمامه وقواعده، فإن (٢) الأئمة متفقة (٣) على أصول الأحكام ومتى قال بعضهم قولًا مرجوحًا فأصوله ترده وتقتضي القول الراجح فكل قول صحيح فهو يخرج على قواعد الأئمة بلا ريب، فإذا تبيَّن لهذا المجتهد [المقيَّد] (٤) رجحان هذا القول وصحة مأخذه خرج على قواعد إمامه فله أن يفتي به، وباللَّه التوفيق.

وقد قال القفال: لو أدى اجتهادي إلى مذهب أبي حنيفة قلت: مذهب الشافعي كذا لكني أقول بمذهب أبي حنيفة؛ لأن السائل إنما يسألني عن مذهب الشافعي، فلا بد [أن] (٥) أعرِّفه [أنَّ] (٥) الذي أفتيتُه به غير [مذهبه (٥)، فسألت شَيَخنا -قدَّس اللَّه روحه- عن ذلك فقال: أكثر المُستفتين لا يخطر بقلبه] (٦) مذهب معين عند الواقعة التي يسأل عنها، وإنما سؤاله عن حكمها، وما يعمل به فيها، فلا يسع المفتي أن يفتيه بما يعتقد الصواب في خلافه.

[[إذا تساوى عند المفتي قولان فماذا يصنع؟]]

الفائدة الحادية والخمسون: إذا اعتدل عند المفتي قولان، ولم يترجح له أحدهما على الآخر، فقال القاضي أبو يعلى (٧): له أن يفتي بأيهما شاء، كما يجوز له أن يعمل بأيهما شاء (٨)، وقيل: بل يُخيِّر المُستفتي فيقول له: أنت مخيَّر بينهما؛ لأنه إنما يفتي بما يراه، والذي يراه هو التخيير (٩)، وقيل: بل يفتيه بالأحوط من القولين.

قلت: الأظهر أنه يتوقف، ولا يفتيه بشيء حتى يتبين له الراجح منهما؛ لأن أحدهما خطأ فليس له أن يفتيه بما لا يعلم أنه صواب وليس له أن يخيره بين الخطأ والصواب، وهذا كما [إذا] (١٠) تعارض عند الطبيب في أمر المريض أمران


(١) في (ق): "حكاية تحضه"، وفي (ك): "عمن قاله".
(٢) في (ق): "لأن".
(٣) في (ك): "متفقهة".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) ذكره ابن الصلاح في "أدب المفتي والمستفتي" (ص ١٢٢) ونحو ما سبق عنده أيضًا.
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٧) في "العدة" (٤/ ١٢٢٧).
(٨) في (ق): "كما يجوز العمل بأيهما شاء".
(٩) قدمنا كلامًا نفيسًا للشاطبي في بيان المحاذير المترتبة على (التخيير) (انظر ص ١٣٧).
(١٠) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>