للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما يطاع تبعًا كما يُطاع أولو الأمر تبعًا، وليس كذلك، بل طاعته واجبة استقلالًا سواء كان ما أمر أو نهى عنه (١) في القرآن أو لم يكن.

[[الثناء على التابعين ومعنى كونهم تابعين]]

الوجه الثالث والأربعون: قولهم: إن اللَّه سبحانه وتعالى أثنى على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وتقليدهم هو اتباعهم بإحسان؛ فما أصْدق المقدمة الأولى، وما أكذب الثانية، بل الآية من أعظم الأدلة ردًا على فرقة التقليد؛ فإن اتِّباعهم هو سلوك سبِيلِهم ومنهاجهم، وقد نهوْا عن التقليد وكون الرجل إمّعة، وأخبروا أنه ليس من أهل البصيرة، ولم يكن فيهم -وللَّه الحمد- رجل واحد على مذهب هؤلاء المقلدين، وقد أعاذهم اللَّه وعافاهم مما ابتلى به مَن يردُّ النصوص لآراء الرجال وتقليدها؛ فهذا ضد متابعتهم، وهو نفس مخالفتهم؛ فالتابعون لهم بإحسان حقًا هم أولو العلم والبصائر الذين لا يقدمون على كتاب اللَّه وسنة رسوله رأيًا ولا قياسًا ولا معقولًا ولا قول أحد من العالمين، ولا يجعلون مذهب رجل (٢) عيارًا على القرآن والسنن؛ فهؤلاء أتباعهم حقًا، جَعَلنا اللَّه منهم بفضله ورحمته.

[[من هم أتباع الأئمة]]

يوضحه الوجه الرابع والأربعون: أن أتْباعَهم لو كانوا هم المقلدين الذين هم مُقرِّون على أنفسهم وجميع أهل العلم أنهم ليسوا من أولي العلم لكان (٣) سادات العلماء الدائرون مع الحجة ليسوا من أتباعهم، والجهال أسعد باتِّباعهم منهم، وهذا عين المحال، بل من خالف واحدًا منهم للحجة فهو المُتَّبع له، دون من أخذ قوله بغير حجة، وهكذا القول في أتباع الأئمة -رضي اللَّه عنهم-، معاذ اللَّه أن يكونوا هم المقلدين لهم الذين يُنزلون آراءهم منزلة النصوص، بل يتركون لها النصوص؛ فهؤلاء ليسوا من أتباعهم، وإنما أتباعهم من كان على طريقتهم واقتفى مناهجهم. ولقد أنكر بعض المقلِّدين على شيخ الإسلام في تدريسه بمدرسة ابن الحنبلي وهي وقف على الحنابلة، والمجتهد ليس منهم، فقال: إنما أتناول ما أتناوله منها على معرفتي بمذهب أحمد، لا على تقليدي له، ومن المحال أن


(١) في المطبوع: "ونهى عنه".
(٢) في المطبوع: "مذهب أحد".
(٣) في (ك): "لكانوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>