للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقوى، وكلّما بَعُد عن اللَّه كَثُرت عليه المعارضات، وضَعُف نورُ كشفهِ للصَّواب، فإنَّ العلمَ نور يقذفه اللَّه في القلب، يفرِّق به العبدُ بين الخطأ والصواب" (١).

وقال مالك للشافعي -رضي اللَّه عنهما- (٢) في أول ما لقيه: "إني أرى اللَّه قد ألقى على قلبك نورًا فلا تطفئه بظلمة المعصية" (٣)، وقد قال تعالى: " {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: ٢٩]، ومن الفرقان النور الذي يفرق به العبد بين الحق والباطل، وكلما كان قلبه أقرب إلى اللَّه كان فرقانه أتم، وباللَّه التوفيق.

[[لا يسع المفتي أن يجعل غرض السائل سائق حكمه]]

الفائدة الثانية والستون: قد تكرر لكثير من أهل الإفتاء الإمساك عما يفتون به مما يعلمون أنه الحق إذا خالف غرض السائل ولم يوافقه، وكثير منهم يسأله عن غرضه، فإن صادفه عنده كتب له وإلا دَلَّهُ على مفتٍ أو مذهب يكون غرضه عنده، وهذا غير جائز على الإطلاق، بل لا بد فيه من التفصيل (٤)، فإن كان المسئول عنه من مسائل العلم والسنة أو من المسائل العمليات (٥) التي فيها نص عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يسع المفتي تركه إلى غرض السائل، بل لا يسعه توقُّفه في الإفتاء به على غرض السائل، بل ذلك إثم عظيم، وكيف يسعه من اللَّه أنْ يُقَدِّم غرضَ السائل على اللَّه ورسوله؟

وإن كانت المسألة من المسائل الاجتهادية التي يتجاذب أعنَّتها الأقوالُ والأقيسة، فإن لم يترجّح له قول منها لم يسع له أن يرجِّح لغرض (٦) السائل، وإن ترجَّح له قول منها، وظن أنه الحق فأولى بذلك، فإن السائل إنما يسأل عما يلزمه في الحكم ويسَعه (٧) عند اللَّه، فإنْ عرفه المفتي أفتاه به سواء وافق غرضَه أو


(١) لم أظفر به، مع شدة البحث عنه في كتب الرقاق والأدب، فضلًا عن الأجزاء الحديثية وغيرها، والمصنف ينقل من كتاب أدبي بعض الآثار والقصص، لم أستطع تعيينه مع محاولات شديدة وكثيرة للوصول إلى ذلك، ولا قوة إلا باللَّه.
(٢) في (ق): "رحمهما اللَّه".
(٣) رواه البيهقي في "مناقب الشافعي" (١/ ١٠٣، ١٠٤).
(٤) في المطبوع و (ت) و (ك): "تفصيل".
(٥) كذا في (ك)، وفي سائر الأصول: "العلميات".
(٦) في المطبوع: "يترجح لغرض"، وفي (ق) و (ك): "يرجح بغرض".
(٧) في (ق): "ويسع له".

<<  <  ج: ص:  >  >>