عليهم، وليس الكلام على ذلك من غرضنا في هذا الكتاب، وما أحقَّ أبحاثَه هذه بالإفراز وجعلها كتابًا مستقلًا، مع ضَمِّ كلام القاضي العلَّامة محمد بن علي الشوكاني في مؤلَّفاته في التَّقلِيد -وهو أيضًا كثير جدًّا- في مؤلَّفات مستقلَّة، وغضون أبحاثٍ ومسائل في تفسيره "فتح القدير" وغيره" (١).
وقد أفصح ابن القيم: أن مبحثه في (التقليد) كمبحثه في (القياس) فيه جدّة وإحاطة وشمول على وجه تخلو منه الكتب، قال في (٣/ ٣٦) ما نصه:
"وقد أطلنا الكلام في القياس والتقليد، وذكرنا من مآخذهما وحجج أصحابهما وما لَهُم وعليهم من المنقول والمعقول ما لا يجده الناظر في كتاب من كتب القوم من أولها إلى آخرها، ولا يظفر به في غير هذا الكتاب أبدًا، وذلك بحول اللَّه وقوته ومعونته وفتحه، فله الحمد والمنة، وما كان فيه من صواب فمن اللَّه، هو المانُّ به، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان، وليس اللَّه ورسوله ودينه في شيء منه، وباللَّه التوفيق".
ومن نافلة القول: أن عدم إدخال ابن القيم ربقة التقليد في عنقه، من أسباب نضج عقله، وسمو فكره، ووقوفه على الشيء الكثير من أسرار الشريعة، ولو كان غيره سلك هذا المسلك لصار الناس إخوانًا، ولكان للشريعة وضع آخر، فكم أفسد التقليد عقولًا، وكم أهوت العصبية المذهبية بالأفكار إلى مكان سحيق، فقتلت المواهب، ونصبت النزاع في مواضع الوفاق، وفرقت كلمة المسلمين.
- وجوب إعمال النصوص:
ثم عاد بعد ذلك إلى التركيز على إعمال النصوص، وأن الاجتهاد والقياس إنما يعمل به عند الضرورة، والواجب رد المتشابه إلى المحكم، لا العكس، ثم ذكر ثلاثة وسبعين مثالًا لمن أبطل السنن بظاهر القرآن تمسكًا بالمتشابه في ردّ المحكم، وقال قبل سردها في (٣/ ٥٨): "ولنذكر لهذا الأصل أمثلة لشدّة حاجة كل مسلم إليه أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب" وبدأها في الرد على بدع عقدية، قال بها الجهمية والقدرية والجبرية والخوارج والمعتزلة، واستطرد في (المثال الثاني عشر) فذكر ثمانية عشر دليلًا على (علوّ اللَّه على خلقه وكونه فوق عباده) وصرح بأنه اختصر الأدلة عليها، قال في (٣/ ٧٥): "فهذه أنواع من الأدلة