للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقصوده من الزيادة، فيا سبحان اللَّه! أيعود الربا -الذي قد عَظم اللَّه شأنه في القرآن، وأوجب محاربة مستحله (١)، ولعن آكله وموكله وشاهديه (٢) وكاتبه، وجاء فيه من الوعيد ما لم يجيء في غيره- إلى أن يُسْتَحل نوعاه بأدنى حيلة لا كلفْةَ فيها أصلًا إِلا بصورة عقد هي عبث ولعب يضحك منها ويستهزأ بها؟ فكيف يستحسن أن ينسب إلى نبي من الأنبياء فضلًا عن سيد الأنبياء، بل أن يَنسب رب العالمين إلى أن يحرم هذه المحرمات العظيمة ويوعد عليها بأغلظ العقوبات وأنواع الوعيد، ثم يبيحها بضرَبٍ من الحيل والعبث والخداع الذي ليس له حقيقة مقصودة [البتّة] (٣) في نفسه للمتعاقدين؟ وترى كثيرًا من المرابين (٤) -لمَّا علم أن هذا العقد ليس له حقيقة مقصودة البتة- قد جعل عنده خَرزَة ذهب، فكل من جاءه يريد أن يبيعه جنسًا بجنسه أكثر منه أو أقلَّ ابتاع منه ذلك [الجنس] (٣) بتلك الخرزة، ثم ابتاع الخرزة بالجنس الذي يريد أن يعطيه إياه، أفيستجيز عاقلٌ أن يقول: إن الذي حرم بيع الفضة بالفضة متفاضلًا أحلَّها بهذه الخرزة؟ وكذلك كثير من الفجَّار (٥) قد أعَدَّ سلعة لتحليل ربا النساء، فإذا جاءه مَنْ يريد ألفًا بألف ومئتين أدْخَلَ تلك السلعة محللًا، ولهذا كانت أكثر حيل الربا في بابها أغْلَظَ من حيل التحليل، ولهذا حرمها أو بعضَهَا من لم يحرم التحليل؛ لأن القصد في البيع معتبرٌ في فِطَرِ الناس؛ ولأن الاحتيال في الربا غالبًا إنما يتم بالمُوَاطأة اللفظية أو العرفية، ولا يفتقر إلى شهادة، ولكن يتعاقدان ثم يشهد (٦) أن له في ذمته دينًا، ولهذا إنما لُعن شاهداه إذا عَلِما به، والتحليل لا يمكن إظهاره (٧) وقت العقد؛ لكون الشهادة شرطًا فيه، والشروط المتقدمة تؤثر كالمقارِنَةِ كما تقدم تقريره؛ إذ تقديم الشرط ومقارنته لا يخرجه عن كونه عقدَ تحليلٍ ويدخله في نكاح الرغبة، والقصود معتبرة في العقود.

فصل (٨) [الحكم إذا بَاع ربويًا بثمن]

وجماع الأمر أنه إذا باعه رِبَويًا بثمنٍ وهو يريد أن يشتري منه بثمنه من


(١) في (ق): "مستحليه".
(٢) في (ق): "وشاهده".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٤) في (ق): "المترابين".
(٥) في (ق): "التجار".
(٦) في المطبوع: "يشهدان".
(٧) في هامش (ق): "لعله: إِلا اظهاره".
(٨) ما تحته في "بيان الدليل" (ص ٢٨٤ وما بعد) بتصرف واختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>