للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتقوه بحسب استطاعتهم، وأصل التقوى معرفة ما يُتَّقى ثم العمل به؛ فالواجب على كل عبد أن يبذل جَهده في معرفة ما يتقيه مما أمره اللَّه به ونهاه عنه، ثم يلتزم طاعة اللَّه ورسوله، وما خفي عليه فهو (١) فيه أسوة أمثاله ممن عدا الرسول؛ فكل (٢) أحد سواه قد خفي عليه بعض ما جاء به، ولم يخرجه ذلك عن كونه من أهل العلم، ولم يكلفه اللَّه ما لا يطيق من معرفة الحق واتباعه. قال أبو عمر (٣): وليس أحدٌ بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا وقد خفي عليه بعض أمره، فإذا أوجبَ اللَّه [سبحانه] (٤) على كل أحد ما استطاعه وبلغته قواه من معرفة الحق وعَذَرَه فيما خفي عليه منه فأخطأ أو قَلَّد فيه غيره كان ذلك هو مقتضى حكمته وعدله ورحمته، بخلاف ما لو فوّض إلى العباد (٥) تقليد من شاءوا من العلماء، وأن يختارَ كلٌّ منهم [له] (٦) رجلًا ينصبه معيارًا على وحيه، ويُعرض عن أخذ الأحكام واقتباسها من مِشكاة الوحي؛ فإن هذا ينافي حكمته ورحمته وإحسانه، ويؤدي إلى ضياع دينه وهجْر كتابه وسنة رسوله كما وقع فيه من وقع، وباللَّه التوفيق.

[[فرق عظيم بين المقلد والمأموم]]

الوجه التاسع (٧) والستون: قولكم: "إنكم في تقليدكم بمنزلة المأموم مع الإمام والمتبوع مع التابع فالركب (٨) خلف الدليل" جوابه إنا واللَّه حولها نُدنْدِن، ولكن الشأن في الإمام والدليل والمتبوع الذي فَرضَ اللَّه على الخلائق أن تأتم به وتتبعه وتسير خلفه، وأقسم سبحانه بعزَّته أن العباد لو أتوْه من كل طريق أو استفتحوا من كل باب لم يُفتح لهم حتى يدخلوا خلفه؛ فهذا لعمر اللَّه هو إمام الخلق ودليلهم وقائدهم حقًا، ولم يجعل اللَّه منصب الإمامة بعده إلا لمن دعا إليه، ودَلَّ عليه، وأمر الناس أن يقتدوا به، ويأتموا به، وبسيروا خلفه، وأن لا ينصبوا لأنفسهم (٩) متبوعًا ولا إمامًا ولا دليلًا غيره، بل يكون العلماء مع الناس بمنزلة أئمة (١٠) الصلاة مع المصلين، كل واحدٍ يصلي طاعة للَّه وامتثالًا لأمره، وهم في الجماعة متعاونون متساعدون وبمنزلة (١١) الوفد مع الدليل، كلهم يَحجُّ


(١) كذا في الأصول ولعل الصواب: "فله".
(٢) في (ك): "إذ كل".
(٣) لم أظفر به في: "جامع بيان العلم".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) في المطبوع: "فرض على العباد".
(٦) ما بين المعقوفتين من (ق) و (ك).
(٧) في (ق) و (ك): "الثامن".
(٨) في (ق) و (ك): "والركب".
(٩) في المطبوع: "لنفوسهم".
(١٠) ساقطة من (ك).
(١١) في كذا في (ق)، وفي باقي النسح: "بمنزلة".

<<  <  ج: ص:  >  >>