للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل [الكتابة تجري على وفق القياس]]

وأما الكتابة فمن قال هي على خلاف القياس (١) قال: هي بيع السيد ماله بمالِه، وهذا غلطٌ (٢)، وإنما باع العبد نفسَه بمالٍ في ذِمّته، والسيد لا حقَّ له في ذمةِ العبد وإنما حقُّه في بدنه، فإن السيد حقه في ماليَّة العبدِ لا في إنسانيّته، وإنما يُطالبُ العبد بما في ذِمَّته بعد عتقه، وحينئذٍ فلا ملك للسيد عليه، وإذا عرف هذا فالكتابةُ بيعُه نفسَه بمالٍ في ذمته، ثم إذا اشترى نَفْسَه كان كَسْبُه له ونفعه له، وهو حادثٌ على ملكه الذي استحقه بعقد (٣) الكتابة، ومن تمام حكمة الشارع أنه أخَّرَ فيها العتق إلى حين الأداء؛ لأن السيد لم يَرْضَ بخروجه عن ملكه إلا بأن يُسلِّم له العوض، فمتى لم يسلم له العوَضُ وعجز العبد [عنه] (٤) كان له الرجوع في البيع، فلو وقع العتق لم يمكن رفعه (٥) بعد ذلك، فيحصل السيد على الحرمان، فراعى الشَّارع مصلحة السيد ومصلحة العبد، وشَرعَ الكتابةَ على أكمل الوجوه وأشدها مطابقة للقياس الصحيح، وهذا هو القياس في سائر المُعَاوضات، وبه جاءت السنة الصحيحة الصريحة التي (٦) لا معارض لها: أنَّ المشتري إذا عجز عن الثمن كان للبائع الرجوعُ في عينِ ماله، وسواء حكم الحاكم بفَلَسِه أم لا (٧)، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يشترط حُكْمَ الحاكم، ولا أشار إليه، ولا دل عليه بوجهٍ ما، فلا وجْه لاشتراطه، وإنما المعنى الموجب للرجوع هو الفَلَسُ الذي حال بين البائع وبين الثمن، وهذا المعنى موجودٌ بدون حكم الحاكم، فوجبَ ترتبُ (٨) أثَرِه عليه، وهو


(١) هذا رأي الكاساني في "بدائع الصنائع" (٤/ ١٣٤)، وابن حجر في "فتح الباري" (٥/ ١٨٤).
(٢) انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (٢٠/ ٥٣٠ - ٥٣١).
(٣) في (ق): "استحقه له بعقد".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) في (ن): "لم يمكن دفعه".
(٦) في المطبوع: "الذي"!
(٧) يشير إلى ما أخرجه البخاري (٢٤٠٢) (كتاب الاستقراض): باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة فهو أحق به، ومسلم (١٥٥٩) (كتاب المساقاة): باب من أدرك ما باعه عند المشتري، عن أبي هريرة رفعه: "من أدرك ماله بعينه عند رجُلٍ، أو إنسانٍ، قد أفلس، فهو أحق به من غيره".
وانظر: "قواعد ابن رجب" (١/ ٤١٠ - بتحقيقي).
(٨) في المطبوع و (ن): "فيجب ترتيب".

<<  <  ج: ص:  >  >>