للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الإسلام الذي أبطله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: "لا رهبانية في الإسلام" (١)؟

يوضحه أن من شرط التعزُّب فإنما قصد أن تركه أفضل وأحب إلى اللَّه، فقصد أن يتعبد الموقوف عليه بتركه، وهذا هو الذي تبرأ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منه بعينه فقال: "مَنْ رَغِبَ عن سُنَّتي فليس مِنِّي" (٢)، وكان قصد أولئك الصحابة هو قصد هؤلاء الواقفين بعينه سواء، فإنهم قصدوا ترفيه (٣) أنفسهم على العبادة وترك النكاح الذي يشغلهم تقربًا إلى اللَّه بتركه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيهم ما قال، وأخبر أنه من رغب عن سنته فليس منه؛ وهذا في غاية الظهور، فكيف يحل الإلزام بترك شيء قد أخبر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ مَنْ رغب عنه فليس منه؟ هذا ممَّا لا تحتمله الشريعة بوجه.

[عَرْض شروط الواقفين على كتاب اللَّه]

فالصواب الذي لا تسوغ الشريعة (٤) غيره عرض شروط الواقفين على كتاب اللَّه سبحانه وعلي شرطه، فما وافق كتابه وشرطه فهو صحيح، وما خالفه


(١) قال في "كشف الخفاء" (٢/ ٣٧٧): "قال ابن حجر: لم أره، لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند البيهقي: إن اللَّه أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة" اهـ.
قلت: هو عند البيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٧٨).
وأخرج عبد الرزاق (١٠٣٧٥)، وأحمد (٦/ ١٠٦، ٢٢٦، ٢٦٨)، والبزار (١٤٥٨ - زوائده)، وابن حبان (٩ - الإحسان) عن عائشة مرفوعًا: "يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا".
وإسناده قوي
وأخرجه الدارمي في "سننه" (كتاب النكاح): باب النهي عن التبتل (٢/ ١٣٣) عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: قال رسول اللَّه لعثمان بن مظعون: يا عثمان إني لم أؤمر بالرهبانية. . . ".
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب النكاح): باب الترغيب في النكاح (٩/ ١٠٤/ رقم ٥٠٦٣)، ومسلم في "الصحيح" (كتاب النكاح): باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة (٢/ ١٠٢٠/ رقم ١٤٠١) من حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، وأخرجه البخاري في "الصحيح" (كتاب فضائل القرآن): باب قول المقريء للقاريء: حسبك، (٩/ ٩٤/ رقم ٥٠٥٢) دون لفظة: "من رغب. . . "، وهي ثابتة من طريق سند البخاري؛ كما عند اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (١/ ٩٧).
(٣) الترفيه: "التسكين والأقامة على الشيء" (د، ط، ح)، وقال (و): "رفا فلانًا سكن من الرعب، والمقصود جعل أنفسهم تسكن إلى العبادة".
قلت: وانظر: "لسان العرب" (٣/ ١٦٩٨ - ١٦٩٩)، ووقع بدلها في (ق): "توفية".
(٤) في (ق): "لا يسوغ في الشريعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>