للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[قول الصحابة حجة]]

الثالث: أنه لم يختلف المسلمون أنه ليس قول من قَلَّدتموه حجة، وأكثر العلماء بل الذي نص عليه من قلدتموه أن أقوال الصحابة حجة يجب اتباعها، ويحرم الخروج عنها كما سيأتي (١) حكاية ألفاظ الأئمة في ذلك، وأبلغهم فيه الشافعي، ونبين أنه لم يختلف مذهبه أن قول الصحابي حُجَّة، ونذكر نصوصه في الجديد على ذلك إن شاء اللَّه، وأن من حَكى عنه قولين في ذلك فإنما حكى ذلك بلازم قوله، لا بصريحه، وإذا (٢) كان قول الصحابي حجة فقبول قوله واجبٌ متعيّن، وقبول قول من سواه أحسن أحواله أن يكون سائغًا، فقياسُ أحد القائلين على الآخر من أفْسد القياس وأبطله.

[ما ركزه اللَّه في فطر عباده من تقليد الأستاذين لا يستلزم جواز التقليد في الدين]

الوجه السابع (٣) والستون: قولكم: "وقد جعل اللَّه سبحانه في فِطَرِ العباد تقليد المتعلمين للمعلمين والأستاذين في جميع الصنائع والعلوم إلى آخره" فجوابه أن هذا حق لا ينكره عاقل، ولكن كيف يستلزم ذلك صحة التقليد في دين اللَّه، وقبول قول المتبوع بغير حجة توجب قبول قوله، وتقديم قوله على قول من هو أعلم منه، وترك الحجة لقوله، وترك أقوال أهل العلم جميعًا من السلف والخلف لقوله؟ فهل جعل اللَّه ذلك في فطرة أحد من العالمين؟ ثم يُقال: بل الذي فطر اللَّه عليه عباده طلبُ الحجة والدليل المثبت لقول المدعي، فركز [اللَّه] (٤) سبحانه في فطر الناس أنهم لا يقبلون قول من لم يقم الدليل على صحة قوله، ولأجل ذلك أقام اللَّه سبحانه البراهين القاطعة والحجج الساطعة والأدلة الظاهرة والآيات الباهرة على صدق رسله إقامةً للحجة وقطعًا للمعذرة، هذا وهم أصدقُ خلقه وأعلمُهم وأبرُّهم وأكملهم، فأَتوا بالآيات والحجج والبراهين مع اعتراف أممهم لهم بأنهم أصدق الناس، فكيف يُقبل قول من عداهم بغير حجة تُوجب قبول قوله؟ واللَّه سبحانه إنما أوجب قبول قولهم بعد قيام الحجة وظهور الآيات المستلزمة لصحة دعواهم؛ لما جعل اللَّه في فطر عباده من الانقياد للحجة، وقبول قول صاحبها، وهذا أمر مشتركٌ بين جميع أهل الأرض مؤمنُهم وكافرهم وبرُّهم وفاجرهم الانقياد للحجة وتعظيم صاحبها، وإن


(١) انظر (٣/ ٤٥ و ٤/ ٥٥٠).
(٢) في المطبوع: "وإن".
(٣) في (ك) و (ق): "السادس".
(٤) ما بين المعقوفتين من (ق) وحدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>