للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لومة لائم، ولا يصدّه عنه قول قائل" (١).

كيف لا؛ وهو القائل:

وتحلَّ بالإنصَافِ أَفْخَرَ حُلَّةٍ ... زِينَتْ بها الأَعْطَافُ والكَتِفَانِ (٢)

خامسًا: ابن القيم إمام في العلم والعمل، ومجتهد ومصلح ومُنْصِف، يضع الأمور مكانها، ومن بين ذلك: تقديره للعلماء، وقد دعى في كتابه هذا إلى أنه لا بد من "معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم وحقوقهم ومراتبهم، وأنّ فضلهم وعلمهم ونصحهم للَّه ورسوله لا يوجب قبول كلّ ما قالوه، وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم فيها ما جاء به الرَّسول، فقالوا بمبلغ علمهم، والحقّ في خلافها لا يوجب اطّراح أقوالهم جملة وتنقّصهم والوقيعة فيهم، فهذان طرفان جائران عن القصد، وقصد السّبيل بينهما، فلا نؤثِّم ولا نَعْصم، ولا نسلك بهم مسلك الرّافضة في عليّ ولا مسلكهم في الشَّيخين، بل نسلك مسلكهم أنفسهم فيمن قبلهم من الصَّحابة، فإنّهم لا يؤثمونهم ولا يعصمونهم، ولا يقبلون كلّ أقوالهم ولا يهدرونها. فكيف ينكرون علينا في الأئمّة الأربعة مسلكًا يسلكونه هم في الخلفاء الأربعة وسائر الصَّحابة؟ ولا منافاة بين هذين الأمرين لمن شرح اللَّه صدره للإسلام، وإنَّما يتنافيان عند أحد الرّجلين: جاهل بمقدار الأئمّة وفضلهم، أو جاهل بحقيقة الشّريعة التي بعث اللَّه بها رسوله، ومن له علم بالشَّرع والواقع يعلم قطعًا أنّ الرجل الجليل الَّذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزّلّة هو فيها معذور بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتّبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين" (٣).

ولم يقتصر حرص ابن القيم على (معرفة فضل أئمة الإسلام) بالذكر العطر، والثناء الجميل لشخوصهم، وإنما تعداه إلى تبرئتهم مما ألصق بهم من أقوال تحط من قدرهم، فقال -مثلًا- في مسألة (تعليق الطلاق بالشرط):

"وللَّه شرف نفوس الأئمّة الذين رفع اللَّه قدرهم، وشاد في العالمين ذكرهم، حيث يأنفون لنفوسهم ويرغبون بها عن أمثال هذه الهذيانات الّتي تسودُّ بها الوجوه قبل الأوراق، وتُحِلّ بقمر الإيمان المحاق" (٤).


(١) "إعلام الموقعين" (٣/ ١٢٣ - ١٢٤).
(٢) القصيدة النونية (١/ ٥١ - شرح الهراس).
(٣) "إعلام الموقعين" (٤/ ٢٣٥).
(٤) "إعلام الموقعين" (٤/ ٤٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>