للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفتوى، فإن لم يأمن غائلتها، وخاف من ترتُّب شرٍّ أكبر (١) من الإمساك عنها، أمسك عنها ترجيحًا لدفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما، وقد أمسك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن نقض الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم [عليه السلام] (٢)؛ لأجل حَدَثان عهد قريش بالإسلام، وإن ذلك ربما نفَّرهم عنه بعد الدخول فيه (٣)، وكذلك إن كان عَقْل السائل لا يحتمل الجواب عما سأل عنه وخاف المسؤول أن يكون فتنة له أمسك عن جوابه، قال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- (٤) لرجل سأله عن تفسير آية: وما يؤمنك أنَّي لو أخبرتُك بتفسيرها كفرتَ به؟ أي جَحَدته، وأنكرته، وكَفَرت به (٥)، ولم يرد أنك تكفر باللَّه ورسوله.

[[للمفتي العدول عن السؤال إلى ما هو أنفع]]

الفائدة الثانية: يجوز للمفتي أن يعدل عن جواب المستفتي عما سأله عنه [إلى ما هو أنفع له منه، ولا سيما إذا تضمن ذلك بيان ما سأل عنه] (٦) وذلك من كمال علم المفتي وفقهه ونصحه، وقد قال تعالى (٧): {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ] (٨)} [البقرة: ٢١٥] فسألوه عن المُنْفَق؟ فأجابهم بذكر المصرف؛ إذ هو أهم مما سألوا عنه ونبَّههم عليه بالسياق مع ذكره لهم في موضع آخر، وهو قوله [تعالى] (٩): {قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: ٢١٩]، وهو ما سهل عليهم (١٠) [إنفاقه]، ولا يضرهم إخراجه (١١)، وقد ظنَّ بعضهم أن من ذلك قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ


= ضعف شديد، لكن لو لم يرد إلا من طريق ابن عمرو وأبي هريرة لكفى في تقويته.
فانظر مفصلًا "شرح الإحياء" للزبيدي، و"جُنَّة المرتاب" لأخينا أبي إسحاق الحويني (ص ١٠٥ - ١١٩)، و"جامع بيان العلم" مع التعليق عليه (١/ ٣ - ١٨).
(١) في المطبوع: "شر أكثر"! وفي (ك): "ترتيب".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع، و (ق).
(٣) أخرجه البخاري في عدة مواضع من "الصحيح" منها: (كتاب الحج): باب فضل مكة وبنيانها (٣/ ٤٣٩ رقم ١٥٨٤)، والمذكور لفظه، ومسلم في "الصحيح" (كتاب الحج): باب نقض الكعبة وبنائها (٢/ ٩٦٨ - ٩٦٩/ رقم ١٣٣٣) عن عائشة -رضي اللَّه عنها-.
(٤) في المطبوع: "عنه".
(٥) في (ت): "فكفرت به".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٧) في (ك): "وقال اللَّه تعالى".
(٨) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "الآية" اختصارًا.
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(١٠) في (ت): "ما سَهُل عليه"!
(١١) في (ق) و (ك): "ولم يضرهم إخراجه".

<<  <  ج: ص:  >  >>