للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقصد، فمن قَصَرَ النَّهيَ (١) على الغضب وحده دون الهَمّ المزعج، والخوف المقلق، والجوع والظمأ الشديد، وشُغْل القلب المانع من الفهم؛ فقد قَلَّ فِقهُه وفهمُه (٢)، والتعويل في الحكم على قَصْد المتكلِّم، والألفاظُ لم تقصد لنفسها وإنما هي مقصودة للمعاني، والمتوصل (٣) بها إلى معرفة مراد المتكلِّم، ومُراده يظهر من عموم لفظه تارة، ومن عموم المعنى الذي قصده تارة، وقد يكون فَهْمُه من المعنى أقوى، وقد يكون من اللفظ أقوى، وقد يتقاربان؛ كما إذا قال الدليل لغيره: لا تَسْلُكْ هذا الطريقَ فإن فيها مَنْ يقطع الطريق، أو هي مَعْطَشَة مخوفة؛ عَلِمَ هو وكلُّ سامع أنَّ قصدَه أعمُّ من لفظه، وأنه أراد نَهْيه عن كل طريق هذا شأنها؛ فلو خالفه وسلك طريقًا أخرى عَطِبَ بها حَسُنَ لومه، ونُسِبَ إلى مخالفته ومعصيته، ولو قال الطبيب للعليل وعنده لحم ضأن: لا تأكل الضأن فإنه يزيد في مادة المرض، لَفَهِمَ كُلُّ عاقل منه أن لحم الإبل والبقر (٤) كذلك، ولو أكل منهما لَعُدَّ مخالفًا، والتحاكمُ في ذلك إلى فِطَرِ الناس وعقولهم، ولو مَنَّ عليه غيره بإحسانه فقال (٥): واللَّه لا أكلت له لقمةً، ولا شربتُ له ماءً، يريد خلاصه من مِنَّتهِ عليه، ثم قَبِلَ منه الدراهم والذهب والثياب (٦) والشاة ونحوها لَعَدَّهُ العقلاءُ واقعًا فيما هو أعظم [مما] (٧) حَلَف عليه، ومُرتكبًا لذروة سَنَامه؛ ولو لَامَه عاقلٌ على كلامه لمن لا يليق به [مُحَادثته] (٨) من امرأة أو صبي فقال: واللَّه لا كَلَّمته، ثم رآه خاليًا به يُؤاكله ويشاربه ويُعَاشره ولا يكلمه لَعَدُّوه مرتكبًا لأشدِّ مما حلف عليه وأعظمه.

[[العمل بالقياس مركوز في فطر الناس]]

وهذا مما فطر اللَّه عليه عباده؛ ولهذا فهمت الأمة من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: ١٠] جميعَ وجوهِ الانتفاع من اللبس والركوب والسكنى (٩) وغيرها.


(١) في (ن): "فمن قصر اللفظ".
(٢) انظر في تقرير هذا: "الموافقات" (١/ ١٣٢، ٣٢٠، ٤١١ و ٢/ ٢٤٥، ٥٢٠).
(٣) في المطبوع: "والتوصل" وفي (ق): "المتوصل".
(٤) في (ق): "البقر والإبل".
(٥) في (ق): "وقال".
(٦) في (ك) و (ق): "والنثار".
(٧) ما بين المعقوفتين في (ك) و (ق).
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٩) في المطبوع و (ك): "والمسكن".

<<  <  ج: ص:  >  >>