للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[استحلال الزنا باسم النكاح]]

وأما استحلال الزنا باسم النكاح فهو الزنا بالمرأة التي لا غَرَضَ له أن يقيم معها ولا أن تكون زوجته، وإنما غرضه أن يقضي منها وَطَرَه أو يأخذ جُعْلًا على الفساد بها ويتوصل إلى ذلك باسم النكاح وإظهار صورته، وقد علم اللَّه ورسوله والملائكة والزوج والمرأة أنه محلل لا ناكح، وأنه ليس بزوج، وإنما هو تيس مستعار للضِّرَاب بمنزلة حمار العشريين.

فياللَّه العجب! أي فرق في نفس الأمر بين الزنا وبين هذا؟ نعم هذا زنا بشهود من البشر وذلك زنا بشهود من الكرام الكاتبين كما صرَّح به أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالوا (١): "لا يزالان زانيين وإن مكَثَا عشرين سنة إذا علم اللَّه أنه إنما يريد أن يحللها" والمقصود أن هذا المحلل إذا قيل له: هذا زنا، قال: ليس بزنا بل نكاح، كما أن المرابي إذا قيل له: هذا ربًا، قال: بل هو بيع.

[استحلال المحرّم بتغيير اسمه وصورته]

وكذلك كل من استحلّ محرمًا بتغيير اسمه وصورته كمن يستحل الحشيشة باسم لقيمة الراحة (٢)، ويستحل المعازف كالطنبور والعود والبربط (٣) باسم يسميها به، وكما يسمي بعضهم المغني بالحادي والمطرب والقَوَّال، وكما يسمي الديوث (٤) بالمصلح والموفق والمحسن، ورأيت من يسجد لغير اللَّه من الأحياء والأموات ويسمي ذلك وَضْعَ الرأس للشيخ؟ قال: ولا أقول هذا سجود، وهكذا الحيل سواء؛ فإن أصحابها يعمدون إلى الأحكام فيعلّقونها بمجرد اللفظ، ويزعمون أن الذي يستحلونه ليس بداخل في لفظ الشيء المحرم، مع القطع بأن معناه معنى الشيء المحرم؛ فإن الرجل إذا قال لمن له عليه ألف: اجعلها ألفًا ومئة إلى سنة بإدخال هذه الخرقة وإخراجها صورةً لا معنى، لم يكن فرق بين توسطها وعدمه، وكذلك إذا قال: مكنيني من نفسك أقْضِ منك وَطَرًا يومًا أو


(١) أورده الأثرم في "مسائل أحمد" من قول ابن عمر على لسان أحمد جازمًا به، أفاده ابن تيمية في "بيان الدليل" (ص ٤٢).
(٢) انظر: "زاد المعاد" (٤/ ٢٤٠).
(٣) "البربط": العود، معرَّب، والطنبور: آلة من آلات اللعب واللهو والطرب ذات عنق وأوتار، معرب" (و).
(٤) "القواد على أهله، والذي لا يغار عليهن" (و).

<<  <  ج: ص:  >  >>