للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد بيعها أو وطأها بملك اليمين فليشترها من المملَّك فينفسخ نكاحه، فإن شاء باعها وإن شاء أقام على وطئها.

وتقدم أن نظير هذه الحيلة لو حلف أن لا يلبس هذا الثوب فلينسل (١) منه خيطًا ثم يلبسه، أو لا يأكل هذا الرغيف فليخرج منه لُبَابَةً (٢) ثم يأكله.

قال غير واحد من السلف (٣): لو فعل المحلوف عليه على وجه لكان أخفَّ وأسهل من هذا الخداع، ولو قابل العبدُ أمْرَ اللَّه ونهيه بهذه المقابلة لعُدَّ عاصيًا مخادعًا، بل لو قابل أحدُ الرعية أمْرَ الملكِ ونهيه أو العبدُ أمر سيده ونهيه أو المريضُ أمر الطبيب ونهيه بهذه المقابلة لما عذره أحد قَطُّ، ولعدَّهُ كل أحد عاصيًا، وإذا تدبر العالم في الشريعة أمر هذه الحيل لم يَخْفَ عليه نسبتها إليها ومحلها منها، واللَّه المستعان.

[فصل [إبطال حيلة في الأيمان]]

ومن الحيل الباطلة: لو حلف لا يبيع هذه السلعة بمئة دينار أو زاد عليها؛ فلم يجد مَنْ يشتريها بذلك فليبعها بتسعة وتسعين دينارًا، أو مئة جزء من دينار، أو أقل من ذلك، أو يبيعها بدراهم تساوي ذلك، أو يبيعها بتسعين دينارًا ومنديلًا أو ثوبًا أو نحو ذلك.

وكل هذه حيل باطلة، فإنها تتضمن نفس مخالفته لما نواه وقصده وعقد قلبه عليه، وإذا كانت يمين الحالف على ما يُصدَّقه عليه صاحبه، -كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (٤) فيمينه على ما يعلمه اللَّه من قلبه كائنًا من (٥) كان؛ فلْيَقُلْ ما شاء، ولْيتحيَّل ما شاء، فليست يمينه إلا على ما عَلِمه اللَّه من قلبه، قال اللَّه تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] فأخبر تعالى أنه إنما يُعْتَبر في الأيمان قَصْدُ القلب وكَسْبُه، لا مجرد اللفظ الذي لم يقصده أو لم يقصد معناه، على التفسيرين في اللغو (٦)، فكيف إذا كان


(١) في (ك) و (ق): "فليسل".
(٢) في (ك): "لبابته".
(٣) نحو المذكور مأثور عن أيوب السختياني، أفاده ابن تيمية في "بيان الدليل" (ص ٣٤٣).
(٤) سبق تخريجه.
(٥) في (د)، و (ط) و (ق): "ما"، وقال (د) في عامة الأصول: "كائنًا من كان".
(٦) ذكرهما المصنف في كتابه: "شفاء العليل" (ص ١٢٠)، وهذا نص كلامه: "والكسب قد وقع في القرآن على ثلاثة أوجه: =

<<  <  ج: ص:  >  >>