للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرِحُونَ} [الروم: ٢٢] تقطعوا أمرهم بينهم زبرًا، وكلٌّ إلى ربهم راجعون وجَعَلوا (١) التعصُّبَ للمذاهب ديانتَهم (٢) التي بها يَدِينون، ورؤوسَ أموالهم التي بها يَتَّجرون، وآخَرُون منهم قَنَعُوا بِمَحْض التقليد؛ وقالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: ٢٣]، والفريقان بمَعْزَلٍ عما ينبغي اتباعه من الصواب، ولسان الحق يتلو عليهم: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} [النساء: ١٢٣]؛ قال الشافعي -قدس اللَّه تعالى روحه-: "أجمع المسلمون على أن مَنْ استبانت له سنةُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لم يكن له أن يَدَعَها لقول أحدٍ من الناس"، وقال أبو عمر (٣) وغيره من العلماء: أجمع الناسُ على أن المقلِّد ليس معدودًا من أهل العلم، وأنَّ العلم معرفَةُ الحق بدليله. وهذا كما قال أبو عمر -رحمه اللَّه [تعالى] (٤) فإن الناس لا يختلفون أن العلم: هو المعرفة الحاصلة عن الدليل، وأما بدون الدليل فإنما هو تقليد (٥).

فقد تضمَّن هذان الإجماعان: إخراجَ المتعصب بالهوى؛ والمقلد الأعمى عن زمرة العلماء، وسقوطهما باستكمال مَنْ فوقهما الفروض من وراثة الأنبياء.

[[العلماء ورثة الأنبياء]]

" فإن العلماء هم ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما وَرَّثُوا العلم، فمن أخذه أخَذَ بحظٍّ وافر" (٦)، وكيف يكون من ورثة


(١) في (ك) و (ق): "جعلوا".
(٢) في (ك): "دياناتهم".
(٣) في "جامع بيان العلم" (٧٨٧/ ٢، و ٩٩٣ - ط دار ابن الجوزي) بنحوه.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) في نسخة (و): "تقليده".
(٦) أخرج أبو داود في "السنن": (كتاب العلم): باب الحث على طلب العلم (٣/ ٣١٧/ رقم ٣٦٤١)، وابن ماجه في "السنن" (المقدمة): باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، (١/ ٨١/ رقم ٢٢٣)، وأحمد في "المسند" (٥/ ١٩٦)، والدارمي في "السنن" (١/ ٩٨)، والطحاوي في "المشكل" (١/ ٤٢٩)، وابن حبان في "صحيحه" (رقم ٨٨ - الإحسان)، والبزار في "المسند" (رقم ١٣٦ - زوائده)، والبغوي في "شرح السنة" (١/ ٢٧٥ - ٢٧٦/ رقم ١٢٩)، والبيهقي في "الآداب" (رقم ١١٨٨)، والخطيب في "الرحلة" (٧٧ - ٧٨)، وابن عبد البر في "الجامع" (رقم ١٦٩، ١٧٠، ١٧١، ١٧٢) عن أبي الدرداء مرفوعًا: "من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا. . . "، وفيه: "إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وأورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر" وفي بعض أسانيده ضعف وبعضها حسن في الشواهد، وللحديث شواهد يتقوى بها قال ابن حجر في "الفتح" (١/ ١٦٠): قال ابن حبان عقب الحديث: "في هذا الحديث بيان واضح أن =

<<  <  ج: ص:  >  >>