للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك نسبة لبعض الأئمة إلى تكفير أو تفسيق] (١)، وهذا غيرُ جائز، ولو فرض أنه حُكي عن واحد من الأئمة بعض هذه الحيل المجمع على تحريمها فإما أن تكون الحكاية باطلة، أو يكون الحاكي لم يضبط [لفظه] (٢) فاشتبه عليه فتواه بنفوذها بفتواه بإباحتها مع بُعْد ما بينهما، ولو فُرض وقوعها منه في وقت ما فلا بد أن يكون قد رجع عن ذلك، وإن لم يُحْمَل الأمر على ذلك لزم القدح في الإمام وفي جماعة المسلمين المؤتمين به، وكلاهما غير جائز، ولا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز الإذنُ في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض، إلا المكره إذا اطمأنَ قلبُهُ بالإيمان.

ثم إن هذا على مذهب أبي حنيفة وأصحابه أشد؛ فإنهم لا يأذنون في كلمات وأفعال دون ذلك بكثير، ويقولون: إنها كفر، حتى قالوا: لو قال الكافر لرجل: "إني أريد أن أسلم" فقال له: "اصبر ساعة" فقد كفر (٣)، فكيف بالأمر بإنشاء الكفر؟ وقالوا: لو قال: "مُسَيْجِد" أو صغَّر لفظ المصحف كَفَر (٤).

[[الأئمة برءاء مما نسب إليهم]]

فعلمت أن هؤلاء المحتالين الذين يُفْتُونَ بالحيل التي هي كفر أو حرام ليسوا بمقتدين (٥) بمذهب أحد من الأئمة (٦)، وأن الأئمة أعلم باللَّه ورسوله ودينه وأتْقَى له من أن يُفْتُوا بهذه الحيل، وقد قال أبو داود في "مسائله": سمعت أحمد وذكر أصحاب الحيل: يحتالون لنقض سنن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٧)! وقال في رواية أبي


(١) ما بين المعقوفتين من (و): وقال: "ما بين القوسين من فتاوى ابن تيمية" (ص ١٧٠ ج ٣) اهـ. قلت: انظره في "بيان الدليل" (ص ١٨٨).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) في "الخلاصة" كافر قال لمسلم: اعرض عليّ الإسلام، فقال: اذهب إلى فلان العالم، كفر، أي: لأنه رضي ببقائه في الكفر إلى حين ملازمة العالم ولقائه، قاله القاري في "شرح ألفاظ الكفر" (رقم ٥١ - بترقيمي) وزاد: "وقال أبو الليث: إن بعثه إلى عالم لا يكفر، لأن العالم ربما يحسن ما لا يحسنه الجاهل، فلم يكن راضيًا بكفره ساعة، بل كان راضيًا بإسلام أتمّ وأكمل"، وقارن بما في "بيان الدليل" (ص ١٨٩).
(٤) انظر: كلام الحنفية في "شرح ألفاظ الكفر" (رقم ١٥ - بترقيمي).
(٥) كذا في (ك) و (ق) وفي سائر الأصول: "مقتدين".
(٦) إلى هنا انتهى النقل عن شيخ الإسلام الذي أشرف إليه سابقًا.
(٧) انظر: "مسائل أبي داود" (ص ٢٧٦)، ونقلها عنه ابن بطة في "إبطال الحيل" (٥٤) وابن تيمية في "بيان الدليل" (ص ٣٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>