للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نكاحها للثاني فلا يَعْرف حكمَتَه إلا مَنْ له معرفة بأسرار الشريعة وما اشتملت عليه من الحكم والمصالح الكلية؛ فنقول وباللَّه التوفيق:

لما كان إباحةُ فرْج المرأة للرجل بعد تحريمه عليه ومَنْعه منه من أعظم نعم اللَّه عليه وإحسانه إليه كان جديرًا بشكر هذه النعمة، ومراعاتها، والقيام بحقوقها، وعدم تعريضها للزوال، وتنوعت الشرائع في ذلك بحسب المصالح التي علمها اللَّه في كل زمان ولكل أُمَّة، فجاءت شريعةُ التوراة بإباحتها له بعد الطلاق ما لم تتزوج، فإذا تزوجت حَرُمت عليه، ولم يبق له سبيل إليها؛ وفي ذلك من الحكمة والمصلحة ما لا يخفى؛ فإن الزوج إذا علم أنه [إذا] (١) طلَّق المرأة وصار أمرها بيدها، وأن لها أن تَنْكحَ غيره، وأنها إذا نكحت غَيرَه حَرُمت عليه أبدًا، كان تمسُّكه بهذا أشد، وحذرُه من مفارقتها أعظم، وشريعةُ التوراة جاءت بحسب الأمة الموسويّة فيها من الشدة والإصر ما يناسب حالهم، ثم جاءت شريعةُ الإنجيلِ بالمنع من الطلاق بعد التزوج البتة، فإذا تزوج بامرأةٍ فليس له أن يُطلِّقها، ثم جاءت الشريعة الكاملة الفاضلة المحمّدية التي هي أكمل شريعة نزلت من السماء على الإطلاق وأجلُّها وأفْضلها وأعلاها وأقْومُها بمصالح العباد في المعاش والمعاد بأحسن من ذلك كله وأكمله وأوفقه للعقل والمصلحة؛ فإنَّ اللَّه سبحانه أكمل لهذه الأمة دينها، وأتم عليها نعمَتَه، وأباح لها من الطَّيِّبات ما لم يُبحه لأمةٍ غيرها (٢)، فأباح للرجل أن ينكح من أطايب النساء أربعًا، وأن يتسرَّى من الإماء بما شاء، وليس التسرِّي في شريعة [أخرى] (٣) غيرها.

[[حكمة جعل العدة ثلاثة قروء]]

ثم أكمل لعبده شرْعه، وأتمَّ عليه نعمته، بأن ملَّكه أن يفارق امرأته ويأخذ غيرها؛ إذ لعل الأولى لا تصلح له ولا توافقه، فلم يجعلها غلَّا في عنقه، وقيْدًا في رجله، وإصرًا على ظهره، وشرع له فراقها على أكمل الوجوه [لها] (٣) وله، بأن يفارقها واحدة ثم تتربَّص ثلاثة قروء، والغالب أنها في ثلاثة أشهر، فإن تاقتْ


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك).
(٢) انظر كلام ابن القيم حول شمولية الشريعة لأحكام المكلفين، وكمالها، وأنها محيطة بأحكام الحوادث في "مفتاح دار السعادة " (٣٢٤ - ٣٣٤)، و"مدارج السالكين" (٢/ ٤٥٨ - ٤٥٩)، و"الصواعق المرسلة" (١/ ٥، ٨٨، ٩٠) و"اجتماع الجيوش الإِسلامية" (ص ٣).
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ن).

<<  <  ج: ص:  >  >>