للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[مناقضتها لقضايا العقول]]

وأما مناقضتها لقضايا العقول فلأن الشرط يستحيل أن يتأخر وجوده عن وجود المشروط، ويتقدم المشروط عليه في الوجود، هذا مما لا يُعقل عند أحد من العقلاء؛ فإن رتبة الشرط التقدم أو المقارنة، والفقهاء وسائرُ العقلاء معهم مجمعون على ذلك؛ فلو صح تعليق المشروط بشرطٍ متأخر بعده لكان ذلك إخراجًا له عن كونه شرطًا أو جزء شرط أو علة أو سببًا؛ فإن الحكم لا يسبق شَرْطَه ولا سببه ولا علَّته؛ إذ في ذلك إخراج الشروط والأسباب والعلل عن حقائقها وأحكامها، ولو جاز تقديم الحكم على شرطه لجَازَ تقديم وقوع الطلاق على إيقاعه؛ فإن الإيقاعَ سبب، والأسباب تتقدم مسبباتها، كما أن الشروط رتبتها التقدم؛ فإذا جاز إخراج هذا عن رتبته جاز إخراج الآخر عن رتبته، فجوَّزوا حينئذٍ تقدمَ الطلاق على التطليق والعتق على الإعتاق والملك على البيع، وحِل المنكوحة على عقد النكاح. وهل هذا في الشرعيات إلا بمنزلة تقدم (١) الانكسار على الكَسْر والسيل على المطر والشبع على الأكل والولد على الوطء وأمثال ذلك؟ ولا سيما على أصل منْ يجعل هذه العلل والأسباب علاماتٍ محضةً، ولا تأثير لها، بل هي معرِّفات، والمعرِّف يجوز تأخيره عن المعرَّف (٢).

وبهذا يخرج الجواب عن قولكم: إن الشروط الشرعية مُعَرِّفات وأمارات وعلامات، والعلامة يجوز تأخرها؛ فإن هذا وهم وإيهام من وجهين:

أحدهما: أن الفقهاء مجمعون على أن الشرائط الشرعية لا يجوز تأخرها عن المشروط، ولو تأخرت لم تكن شروطًا.

[[أنواع الشروط وأحكام أنواعها]]

الثاني: أن هذا شرط لغوي كقوله: "إن كلَّمتِ زيدًا فأنت طالق" ونحو ذلك، و"إن خرجت بغير إذني فأنت طالق" ونحو ذلك، والشروط اللغوية أسباب وعلل مقتضية لأحكامها اقتضاء المسببات لأسبابها، ألا ترى أن قوله: "إن دخلت الدار فأنت طالق" سبب ومسبب ومؤثر وأثر، ولهذا يقع جوابًا عن العلة، فإذا قال: "لم أطلقها؟ " قال: لوجود الشرط الذي علقت عليه الطلاق، فلولا أن وجوده مؤثر في الإيقاع لما صح هذا الجواب، ولهذا يصح أن يخرجه بصيغة


(١) في (ق): "تقديم".
(٢) في (ك): "العرف".

<<  <  ج: ص:  >  >>