- تغير الفتوى بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد:
ثم عقد بعد ذلك (فصلًا) في (تغيّر الفتوى، واختلافها بحسب تغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد) هو من نفائس هذا الكتاب، وفرائد مباحثه، ونبه على ذلك المصنف بقوله في أوله (٣/ ٣٣٧):
"هذا فصل عظيم النفع جدًّا، وقع بسبب الجهلِ به غَلَطٌ عظيم على الشريعة أوْجَبَ من الحرج والمشقة وتكليفِ ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي هي في أعلى رُتَب المصالح لا تأتي به.
فإن الشريعة مَبْنَاها وأساسَهَا على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عَدْلٌ كلُّها، ورحمةٌ كلها، ومصالحُ كلها، وحكمةٌ كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجَوْر، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة وإن أُدخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عَدْل اللَّه بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أتَمَّ دلالةٍ وأصدَقَها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهُدَاه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقُه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل؛ فهي قرّة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح؛ فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة، وكل خيرٍ في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها، ولولا رسومٌ قد بقيت لخَرِبَت الدنيا وطِوِيَ العالم، وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك اللَّه السموات والأرض أن تزولا".
ثم أخذ في تفصيل ما أجمله فيه بالتمثيل، فذكر أولًا: الأمر بالمعروف وأنه على مراتب، بعضها مشروع، والآخر ممنوع. ثم مثل بـ (النهي عن القطع الأيدي في الغزو)، ثم استطرد فذكر (سقوط الحد بالتوبة)، وأورد النصوص الواردة في ذلك، والإشكالات، وحلها، ثم تطرق إلى (اعتبار القرائن وشواهد الأحوال في التهم).
ثم ذكر أمثلة أخرى، ووصل إلى (المثال السادس) وهو طواف الحائض بالبيت، وذكر مذاهب العلماء، وفصل في المسألة على وجه لا تجده في المطوّلات، فذكر أن الحائض لا تخلو من ثمانية أقسام، وسردها في (٣/ ٣٥٧ -