للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتابه (١)، وأمر باستماع أمثاله، ودعا عباده إلى تعقلها، والتفكر فيها، والاعتبار بها، وهذا هو المقصود بها.

[[التسوية بين المتماثلين في الأحكام الشرعية]]

وأما أحكامه الأمرية الشرعية فكلُّها هكذا، تجدها مشتملةً على التسوية بين المتماثلين، وإلحاق النظير بنظيره، واعتبار الشيء بمثله، والتفريق بين المختلفين، وعدم تسوية أحدهما بالآخر (٢)، وشريعته سبحانه مُنَزَّهة أن تنهى (٣) عن شيء لمفسدة فيه تُبيح (٤) ما هو مشتملٌ على تلك المفسدة أو مثلها أو أزيدَ منها، فمن جَوَّز ذلك على الشريعة فما عرفها حقَّ معرفتها؛ ولا قدَّرها حَقَّ قدرها. وكيف يُظَنُّ بالشريعة أنها تبيح شيئًا لحاجة المكلف إليه ومصلحته، ثم تحرم ما هو أحوج إليه والمصلحة في إباحته أظهر، وهذا من أمْحَل المحال.

[لا يشرع اللَّه الحيل التي تبيح الواجب وتسقط المحرم]

ولذلك كان من المستحيل أن يَشْرَعَ اللَّه ورسوله من الحِيَل ما يُسْقِط به ما أوجبه، أو يبيح به ما حَرَّمه، ولَعَنَ فاعله، وآذنه بحربه وحرب رسوله، وشَدّد فيه الوعيد؛ لما تضمنه من المفسدة في الدنيا والدين، ثم بعد ذلك يسوغ التوصل إليه بأدنى حيلة، ولو أن المريض اعتمد هذا فيما يحميه منه الطبيب ويمنعه منه لكان مُعينًا على نفسه، ساعيًا في ضرره، وعُدَّ سفيهًا مفرطًا.

[[أحكام فطرية في النفس]]

وقد فطر اللَّه سبحانه عباده على أنَّ حكم النظير حكم نظيره، وحكمَ الشيء حكم مثله، وعلى إنكار التفريق بين المتماثلين، [وعلى إنكار] (٥) الجمع بين المختلفين، والعقل والميزان الذي أنزله اللَّه شرعًا وقدرًا يأبى ذلك.

[[الجزاء من جنس العمل]]

ولذلك (٦) كان الجزاء مماثلًا للعمل من جنسه في الخير والشر، "فمن ستر


(١) في (ق): "كتاب اللَّه".
(٢) انظر: "زاد المعاد" (٣/ ١٥٢)، و"شفاء العليل" (١٤٨ - ٤٢٠) للمؤلف -رحمه اللَّه-.
(٣) في (ق): "ينهى".
(٤) في (ق): "ثم يبيح".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٦) في (ق): "وكذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>