للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مباحًا، فالشارع لم يُبح (١) سببَ الإثم، وإنما شرعها اللَّه حلا لعقد اليمين كما شرع [اللَّه] (٢) الاستثناءَ مانعًا من عقدها؛ فظهر الفرق بين ما التزمه للَّه وبين ما التزم باللَّه؛ فالأول ليس فيه إلا الوفاء، والثاني يُخَيرُ فيه بين الوفاء وبين الكفارة حيث يسوغ ذلك، وسِرُّ هذا أن ما التزم له آكد مما التزم به، فإنّ الأوَل متعلق بإلاهيَّته، والثاني بربوبيته؛ فالأول من أحكام: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٥] والثاني من أحكام: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] وإياك نعبد قِسْمُ اللَّه من هاتين الكلمتين، وإياك نستعين قسم العبد كما في الحديث الصحيح الإلهي: "هذه بيني وبين عَبْدي نصفين" (٣) وبهذا يخرجُ الجواب عن إيراد هذا السؤال على الوجه الثاني، وأن (٤) ما نَذَره للَّه من هذه الطاعات يجبُ الوفاء به، وما أخرجه مخرج اليمين يُخيَّر بين الوفاء به وبين التكفير؛ لأن الأول متعلق بإلاهيَّته، والثاني بربوبيته، فوجب الوفاء بالقسم الأول، ويُخير الحالف في القسم الثاني، وهذا من أسرار الشريعة، وكمالها وعظمتها (٥).

ويزيد ذلك وضوحًا أن الحالف بالتزام هذه الواجبات قصدُه ألا تكون، ولكراهته للزومها له حلف بها (٦)، فقصده ألا يكون الشرطُ فيها ولا الجزاءُ، ولذلك يُسمى نذر اللّجاجِ والغَضَب، فلم يُلزمه الشارع به إذا كان غير مريد له ولا مُتقرِّب به إلى اللَّه، فلم يعقده للَّه، وإنما عقده به، فهو يمينٌ محضة، فإلحاقُه بنذر القربة إلحاقٌ له بغير شَبَهِه، وقطع له عن الإلحاق بنظيره، وعُذر من ألحقه بنذر القربة شبهه به في اللفظ والصورة، ولكن المُلْحِقون له باليمين أفقه وأرعى لجانب المعاني، وقد اتفق الناس على أنه لو قال: "إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني" فحنث أنه لا يَكْفُر بذلك [إن قصد اليمين] (٧)؛ لأن قَصْد اليمين منع من الكفر (٨).

[[الحلف بالطلاق والعتاق كنذر اللجاج والغضب]]

وبهذا وغيره احتج شيخ الإسلام ابن تيمية (٩) على أن الحلف بالطلاق


(١) في (ق) و (ك): "لا يبيح".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(٣) رواه مسلم (٣٩٥) في (الصلاة): باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، من حديث أبي هريرة.
(٤) في (ك) و (ق): "وهو أن".
(٥) في المطبوع: "وعظمها".
(٦) في (ق): "ولكراهته لزومها حلف بها".
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق) و (ك).
(٨) انظر "الإشراف" (٤/ ٢٧٢ - مسألة ١٦١٠ - بتحقيقي).
(٩) انظر: "مجموع الفتاوى" (٣٣/ ٤٧ - ٥٠، ٥٤، ٥٦، ٥٨ - ٦٠، ٦٥ - ٦٦، ١٩٥ و ٣٥/ =

<<  <  ج: ص:  >  >>