للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: التزامٌ بيمينٍ مجرَّدة.

الثاني: التزامٌ بنذر مجرد.

الثالث: التزام بيمين مؤكدة بنذر.

الرابع: التزام بنذر مؤكد بيمين.

فالأول نحو قوله: "واللَّهِ لأتصدقنَّ"، والثاني نحو: "للَّه علي أن أتصدقَ"، والثالث نحو: "واللَّه إن شَفَى اللَّه مريضي فعليَّ (١) صدقة كذا"، والرابع نحو: "إنْ شفى اللَّه مريضي فواللَّه لأتصدقن" وهذا كقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: ٧٥] فهذا نذر مؤكد بيمين، ولئن لم يقل فيه: "فعليّ"؛ إذ ليس ذلك من شرط النذر، بل إذا قال: إن سلمني اللَّه تصدَّقتُ، أو لأَتصدقنَّ، فهو وعد وعده اللَّه فعليه أن يفي به، وإلا دخل في قوله: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: ٧٧] فوعدُ العبدِ رَبَّه نذرٌ يجب عليه أن يفيَ له به؛ فإنه جعله جزاءً وشكرًا له على نعمته عليه، فجرى مجرى عقود المعاوضات لا عقود التبرعات، وهو أولى باللزوم من أن يقول ابتداء: "للَّه علي كذا"؛ فإن هذا التزام منه لنفسه أن يفعلَ ذلك، والأول تعليقٌ بشرط وقد وُجِدَ، فيجب فعل المشروط عنده؛ لالتزامه له بوعده، فإن الالتزام تارةً يكون بصريح الإيجاب، وتارة يكون بالوعد، وتارة يكون بالشروع كشروعه في الجهاد والحج والعمرة، والالتزام بالوعد آكد من الالتزام بالشروع، وآكد من الالتزام بصريح الإيجاب؛ فإن اللَّه سبحانه ذَمَّ من خالف ما التزمه له بالوعد، وعاقبه بالنفاق في قلبه، ومدح من وَفَّى بما نذره له، وأمر بإتمام ما شَرعَ فيه له من الحج والعمرة، فجاء الالتزام بالوعد آكَدَ الأقسام الثلاثة، وإخلافه يُعْقِبُ النفاق في القلب، وأما إذا حلف يمينًا مجردةً ليفعلنَّ كذا فهذا حضٌّ منه لنفسه، وحثٌّ على فعله باليمين، وليس إيجابًا عليها، فإن اليمين لا تُوجب شيئًا (٢) ولا تُحرمه، ولكن الحالف عَقدَ اليمين باللَّه ليفعلنَّه، فأباح اللَّه سبحانه له حَلَّ ما عقده بالكفارة، ولهذا سَمَّاها اللَّه تَحِلَّة؛ فإنها تَحلُّ عقد اليمين، وليست رافعة لإثم الحنث كما يتوهَمه بعضُ الفقهاء؛ فإنَّ الحنث قد يكون واجبًا، وقد يكون مستحبًا، فيؤمر به أمر إيجاب أو استحباب، وإن كان


(١) "هذا النذر المشروط هو الذي لا يأتي بخير، وأكمل صورة للنذر: صورة نذر أم مريم" (و).
(٢) تصحفت في (ن) إلى: "سببًا"!.

<<  <  ج: ص:  >  >>