كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور

فصل [فوائد تتعلق بالفتوى] - [هل للمفتي أن يفتي بغير مذهب إمامه؟] - ج: 6 - ص: 165

[[هل للمفتي أن يفتي بغير مذهب إمامه؟]]

الفائدة التاسعة والأربعون: هل للمنتسب إلى تقليد إمام معين أن يفتي بقول غيره؟ لا يخلو [الحال] (١) من أمرين: إما أن يسأل عن مذهب ذلك الإمام فقط فيقال له: ما مذهب الشافعي مثلًا في كذا وكذا؟ أو يسأل عن حكم اللَّه الذي أداه إليه اجتهاده، فإن سئل عن مذهب ذلك الإمام لم يكن له أن يخبره بغيره إلا على وجه الإضافة إليه، وإن سئل عن حكم اللَّه من غير أن يقصد السائل قول فقيه معيّن، فههنا يجب عليه الإفتاء بما هو راجح عنده، وأقرب إلى الكتاب والسنة من مذهب إمام أو مذهب من خالفه لا يسعه غير ذلك، فإن لم يتمكن منه وخاف أن يؤدي إلى ترك الإفتاء في تلك المسألة (٢) لم يكن له أن يفتي بما لا يعلم يعلم أنه صواب، فكيف بما يغلب على ظنه أَنَّ الصواب في خلافه؟ ولا يسع الحاكم والمفتي غير هذا البتة، فإن اللَّه سائلهما عن رسوله وما جاء به، لا عن الإمام المعيَّن، وما قاله، وإنما يُسأل الناس في قبورهم ويوم معادهم عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فيُقال له في قبره: ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ (٣).

{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ (٤) فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: ٦٥]، ولا (٥) يُسأل أحد قط عن إمام، ولا شيخ، ولا متبوعٍ غيره، بل يسأل عمن اتَّبعه وأئتم به غيره، فلينظر بماذا يجيب وليعد للجواب صوابًا.

وقد سمعت (٦) شيخنا رحمه اللَّه يقول: جاءني بعض الفقهاء من الحنفية فقال: أستشيرك (٧) في أمر، قلت: وما (٨) هو؟ قال: أريد أن انتقل عن مذهبي، قلت له: ولم؟ قال: لأني أرى الأحاديث الصحيحة كثيرًا تخالفه واستشرت في هذا بعض أئمة أصحاب الشافعي فقال لي: ولو (٨) رجعت عن مذهبك لم يرتفع

---

(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ت).
(٢) في (ق): "وخاف أن يؤذي ترك الإفتاء في تلك المسألة و".
(٣) ثبت ذلك في حديث أنس بن مالك.
أخرجه البخاري (١٣٣٨) في (الجنائز): باب الميت يسمع خفق النعال، و (١٣٧٤) باب ما جاء في عذاب القبر، ومسلم (٢٨٧٠) في (الجنة): باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه.
في الباب عن جماعة من الصحابة كما في "إثبات عذاب القبر" للبيهقي.
(٤) وقع في المطبوع و (ك): "ويوم القيامة يناديهم. . . "، وحذفها (و)، وقال: "في الطبعات السابقة: "ويوم القيامة يناديهم"، والصواب ما أثبته" اهـ.
(٥) في (ق): "لا".
(٦) في (ق) و (ك): "وكأن قد وسمعت"!
(٧) في (ق): "فقال: كي أستشيرك".
(٨) في (ق) و (ك): "ما"، "لو" من غير واو في أولهما.