للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصواب في هذه المسألة التفصيل، فإن كانت دلالة الحديث ظاهرة بيِّنة لكلِّ مَنْ سمعه لا يحتمل غير المراد فله أن يعمل به ويفتي به، ولا يطلب له التزكية من قول فقيه أو إمام، بل الحجة قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإن خالفه من خالفه، وإن كانت دلالته خفيَّة لا يتبين [له] (١) المراد منها لم يجز له أن يعمل ولا يفتي بما يتوهمه مرادًا حتى يسأل ويطلب بيان الحديث، [ووجهه] (٢)، وإن كانت دلالته ظاهرة كالعام على أفراده والأمر على الوجوب والنهي على التحريم، فهل له العمل والفتوى [به] (٣)؟ يخرَّج على أصل (٤)، وهو العمل بالظواهر (٥) قبل البحث عن المعارض (٦)، وفيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره (٧): الجواز والمنع والفرق بين العام [والخاص] (٨)، فلا يعمل به قبل البحث عن المخصِّص والأمر والنهي فيعمل به قبل البحث عن المعارض، وهذا كله إذا كان ثَمَّ نوع أهلية ولكنه قاصر في معرفة الفروع وقواعد الأصوليين والعربية، وإذا لم تكن ثمة (٩) أهلية قط (١٠) ففرضه ما قال اللَّه [تعالى] (٢): {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] (١١).

وقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا سألوا إذا لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال" (١٢)، وإذا جاز اعتماد المستفتي على ما يكتبه المفتي من كلامه أو كلام شيخه، وإن علا وصعد (١٣) فمن كلام إمامه، فلأن يجوز اعتماد الرجل على ما كتبه الثقات من كلام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أولى بالجواز، وإذا قدِّر أنه لم يفهم الحديث، كما لو لم يفهم فتوى المفتي فيسأل من يعرِّفه معناه، كما يسأل من يعرفه معنى جواب المفتي، وباللَّه التوفيق.


(١) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ق).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٤) في المطبوع: "على الأصل".
(٥) في (ق): "العمل على الظواهر".
(٦) في (ت): "عن العوارض".
(٧) انظر: "العدة" (١/ ١٤٠ و ٢/ ٥٢٥)، و"المسودة" (١٠٩)، و"شرح الكوكب المنير" (٣/ ٤٥٧)، و"الرسالة" للشافعي (ص ٢٩٥، ٣٢٢، ٣٤١)، و"الإحكام" (٣/ ٥٠)، و"البرهان" (١/ ٤٠٨)، و"تيسير التحرير" (١/ ٢٣٥)، و"التبصرة" (١١٩).
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ت)، و (ط)، و (ق)، وقال (د): "زيادة في نسخة، ولا داعي لها".
(٩) في (ق): "ثم".
(١٠) في (ق): "فقط".
(١١) "ذكرت هكذا في سورة النحل: الآية ٤٣، والأنبياء: الآية ٦" (و).
(١٢) سبق تخريجه.
(١٣) في (ق) و (ك): "وإن علا صعدًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>