للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[ما يترتب على حقوق العدة]]

ورَتَّب الشارعُ على كل واحد من هذه الحقوق ما يناسبه من الأحكام؛ فرتب على رعاية حقه هو لزوم المنزل وأنها لا تَخْرُج ولا تُخْرَج، هذا موجب القرآن ومنصوص إمام أهل الحديث وإمام أهل الرأي، ورتب على حقِّ المُطلِّق تمكنه من الرجعة ما دامت في العدة، وعلى حقها استحقاق النفقة والسكنى، وعلى حقِّ الولد ثبوت نَسَبِه وإلحاقه بأبيه دون غيره، وعلى حق الزوج الثاني دخوله على بصيرةِ ورحم بريء غير مشغول بولد لغيره؛ فكان في جعلها ثلاثة قروء رعاية لهذه الحقوق، وتكميل لها، وقد دل القرآن على أن العدة حق للزوج عليها بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ} [الأحزاب: ٤٩] فهذا دليل على أن العدة للرجل على المرأة بعد المسيس، وقال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: ٢٢٨] فجعل الزوج أحق بردها في العدة؛ فإذا كانت العدة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر طالت مدة التربُّص لينظر في أمرها هل يمسكها بمعروف أو يُسَرِّحُها بإحسان، كما جعل اللَّه سبحانه للمُولي تربُّص أربعة أشهر لينظر في أمره هل يفيءُ أو يطلق، وكما جعل مدة تسيير الكفار أربعة أشهر لينظُروا في أمرهم ويختاروا لأنفسهم (١).

فإن قيل: هذه العلة باطلة؛ فإن المختلعة والمفسوخ نكاحها بسبب من الأسباب والمطلقة ثلاثًا والموطوءة بشبهة والمزني بها تعتدُّ بثلاثة أقراء، ولا رجْعة هناك، فقد وجب الحكم (٢) بدون علته، وهذا يبطل كونها علة.

[[عدة المختلعة]]

قيل: شرط النقض أن يكون الحكم في صورةٍ ثابتًا بنص أو إجماع، وأما كونه قولًا لبعض العلماء فلا يكفي في النقض به، وقد اختلف الناس في عدة المختلعة، فذهب إسحاق (٣) وأحمد (٤) في أصح الروايتين عنه دليلًا أنها تعتد


= ولادتها، كما في "شرح النووي" (١٠/ ١٤)، والفسطاط: بيت الشعر، ويُلِمُّ بها؛ بضم الياء، وكسر اللام ثم ميم؛ أي: يطأها.
(١) انظر: "زاد المعاد" (٤/ ٢٠٩ - ٢١٠).
(٢) في المطبوع: "فقد وجد الحكم".
(٣) "معالم السنن" (٣/ ١٤٣)، "نيل الأوطار" (٨/ ٣٤)، "المحلى" (١٠/ ٢٣٩).
وهو مذهب ابن المنذر وداود وأصحابه غير ابن حزم وأبي ثور.
(٤) انظر: "المغني" (٧/ ٤٤٩)، و"الإنصاف" (٨/ ٣٩٢ - ٣٩٣)، و"منتهى الإرادات" (٣/ ١٦٠) , =

<<  <  ج: ص:  >  >>