للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معتبرًا إلا إذا قرنت بمعانيها، فتصير إنشاءً للعقود والتصرفات من حيث أنها هي التي أثبتت الحكم وبها وُجِد، وإخبارات من حيث دلالتها على المعاني التي في النفس؛ فهي تشبه في اللفظ أحببتُ أو أبغضتُ وكرهتُ، وتشبه في المعنى قم واقعد، وهذه الأقوال (١) إنما تفيد الأحكام إذا قَصَد المتكلم بها -حقيقة أو حكمًا- ما جُعلت له، وإذا لم يقصد به ما يناقض معناها، وهذا فيما بينه وبين اللَّه تعالى؛ فأما في الظاهر فالأمر محمول على الصحة، وإلا لَمَا تم عقد ولا تَصَرُّفٌ، فإذا قال: بِعتُ أو تزوجتُ كان هذا اللفظ دليلًا على أنه قصد معناه المقصودَ به، وجعله الشارع بمنزلة القاصد وإن كان هازلًا، وباللفظ والمعنى جميعًا يتمُّ الحكم؛ فكلُّ منهما جزء السبب، وهما مجموعه، وإن كانت العبرة في الحقيقة بالمعنى واللفظُ دليلٌ؛ ولهذا يُصار إلى غيره عند تعذره، وهذا شأن عامة أنواع الكلام فإنه محمول على معناه المفهوم منه عند الإطلاق، لا سيما الأحكام الشرعية التي علَّق الشارع بها أحكامها، فإن المتكلم عليه أن يقصد بتلك الألفاظ معانيها، والمستمع عليه أن يحملها على تلك المعاني، فإن لم يقصد المتكلم بها معانيها بل تكلم بها غير قاصد لمعانيها أو قاصدًا لغيرها أبطل الشارعُ عليه قصده، فإن كان هازلًا أو لاعبًا لم يقصد المعنى ألزمه الشارع المعنى كمن هَزَل بالكفر والطلاق والنكاح والرجعة، بل لو تكلم الكافرُ بكلمة الإسلام هازلًا لألْزِم به وجرت عليه أحكامه ظاهرًا، وإن تكلم بها مخادعًا ماكرًا محتالًا مُظْهِرًا خلافَ ما أبطن لم يعطه الشارع مقصوده كالمحلّل والمرابي بعقد العِينة وكل من احتال على إسقاط واجب أو فعل محرِّم بعقد أو قول أظهره وأبطن الأمر الباطل. وبهذا يخرج الجواب عن الإلزام بنكاح الهازل وطلاقه ورجعته وإن لم يقصد حقائق هذه الصيغ ومعانيها.

[[تقسيم جامع يبين حقيقة صيغ العقود]]

ونحن نذكر تقسيمًا جامعًا نافعًا في هذا الباب نبين (٢) به حقيقة الأمر فنقول: المتكلم بصيغ العقود إما أن يكون قاصدًا للتكلم بها أو لا يكون قاصدًا؛ فإن لم يقصد التكلم بها كالمكره والنائم والمجنون والسكران والمغلوب على عقله لم يترتب عليها شيء، وإن كان في بعض ذلك نزاع وتفصيل فالصواب أن أقوال


(١) في نسخة: وهذه الأفعال إنما تفيد. . . إلخ" (د) و (و).
(٢) في (ك) و (ق): "يتبين".

<<  <  ج: ص:  >  >>